اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 303
ثانياً : بأنّ ارتـفاع وجوب
الموافقة القطعية الناشئ من العجز والإضطرار لا ينافي بقاءَ العِلِّيَّةَ المذكورة
، لأنّ المقصود منها هو عدمُ امكان جعل الشك مؤمِّناً في كلّ طرف ، لأنّ الوصول
بالعلم تامٌّ ، ولا ينافي ذلك وجودَ مؤمِّنٍ آخر وهو العجز كما هو المفروض
في حالة الإضطرار .
ثالثاً : لو سلمنا فقرات البرهان
الثلاثة فهي اِنما تـنـتج لزومَ التصرف في التكليف المعلوم على نحو لا يكون
الترخيص في تـناول أحد الطعامين لدفع الإضطرار إذْناً في ترك الموافقة القطعية له
، وذلك يحصل برفع اليد عن اطلاق التكليف لحالة واحدة فقط ـ وهي حالة تـناول الطعام
المحرم وحده مِن قِبَل المكلف المضطرّ ـ مع ثبوته في حالة تـناول كلا الطعامين معاً
، فمع هذا الإفتراض ، إذا تـناول المكلفُ المضطرُّ العالِمُ اِجمالاً أحدَ
الطعامين فقط لم يكن قد ارتكب مخالفة احتمالية على الإطلاق ، وإذا تـناول كلا الطعامين
فقد ارتكب مخالفة قطعية للتكليف المعلوم فلا يجوز"(إنـتهى) .
ونِعْمَ ما قاله سيدُنا الشهيد ، إلاّ أنك عرفتَ مِنّا عِليّة العِلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية
، هذا أوّلاً ، وثانياً : كان الأحسن لو قال في كلامه الأخير هكذا (فمع هذا الإفتراض
، إذا تـناول المكلفُ المضطرُّ العالِمُ اِجمالاً أحدَ الطعامين فقط لم يكن قد
ارتكب مخالفة احتمالية على الإطلاق ، وأمّا إذا تـناول الطعام الآخر فهذا لا وجه
له عقلاً ولا عقلائياً) .
* * *
* *
التطبـيق الثامن : حُكْمُ
ملاقي بعضِ أطراف العلم الإجمالي :
صَرّح الشيخ الأنصاري في حاشيته
على الرسائل بعدم لزوم الإجتـناب عن ملاقي بعض الأطراف مطلقاً حتى على القول
بالسراية[257] ، وهذا ما يظهر من
صاحب الكفاية أيضاً ، قال : "إنه إنما يجب عقلاً رعايةُ الإحتياط في خصوص
الأطراف دون غيرها ، وإن كان حاله حالَ بعضها في كونه محكوماً بحكمه واقعاً ".
ثم يـبرِّر ذلك بقوله "إنه يجب
الإجتـناب عن الملاقَى دون ملاقيه ، فيما كانت الملاقاة بعد العلم إجمالاً بالنجس بـينها
، فإنه إذا اجتـنب عنه وعن طرفه الآخر فقد اجتـنب عن النجس الواقعي في البين قطعاً
، حتى وإن لم يجتـنب عمّا يلاقيه ، فإنه على تقدير نجاسة الملاقِي لنجاسة الملاقَى
كان الملاقِي فرداً آخر من النجس ، قد شُكَّ في وجوده ، كأيّ شيء آخر شك في نجاسته
بسبب آخر . ومنه ظهر أنه لا مجال لتَوَهُّمِ أنَّ مقتضَى الإجتـناب عن المعلوم هو الإجتـناب
عن ملاقيه أيضاً ،