والمثالُ البسيط الأوّلي لهذا التـنبـيه
هو أنْ نَعْلَمَ بِدايةً بنجاسة أحد إناءين ، ثم نعلم بكون النجاسة قد وقعت في هذا
الإناء بعَينه ، فهنا ينحلّ العلمُ الإجمالي إلى علم تـفصيلي ، ويجب أن يعبّر عن
هذا الإنحلال بـ (الإنحلال الحقيقي) .
وأمّا إنْ عَلِمْنا بوقوع قطرة
دم اُخرى في إناء (ألِف) فإنّ العلم الإجمالي الأوّل لا ينحلّ وجداناً ، وإنما
يـبقى على تـنجيزه عقلاً .
إذَنْ هنا سؤالان :
(1) قد تَعْلَمُ أوّلاً بوقوع
قطرة دم في أحدهما اللامعيّن ، ثم تعلم بوقوع قطرة دمٍ في إناء (ألِف) ، ولا تدري
هل أنّ القطرة المذكورة ثانياً هي عين المعلومة سابقاً ، أو أنها قطرةٌ ثانيةٌ
وقعت في هذا الإناء المعيّن رقم (ألِف) ؟!
ومثلُها ما لو علمتَ بوقوع نجاسة
ـ أي أعمّ من الدم ـ في إناء (ألِف) ، فهل تجري الاُصولُ المؤمّنةُ في إناء (باء)
أم لا ؟
الجواب هو أنه ـ ثبوتاً ـ لا
شكّ في إمكان التمسّك بإطلاقات أدلّة الطهارة والحِلّيّة بلا أيّ استهجان عقلائي ،
لصيرورة الشبهةِ أشبهَ شيءٍ بالشبهة البدْويّة ، لا بل تصير الشبهةُ شبهة بدويّة
حقيقةً ، لأنـنا نشكّ هل وقعت نجاسةٌ في الإناء (باء) أم لا ، أو هل يوجد في
الإناء (باء) نجاسةٌ من الأصلِ أوْ لا ، فح يجب ـ إثباتاً ـ التمسّكُ بهذه
الإطلاقات . وينبغي أن يسمّى هذا الإنحلال بـ (الإنحلال الحكمي) .
(2) قد تَعْلَمُ بنجاسة أحد
إناءين ، ثم يأتيك ثقةٌ يخبرك بأنّ الإناء الفلاني هو المتـنجّس ـ وآيةُ
النبأ وغيرُها تـفيدُنا حجيّةَ خبرِ الثقة ـ فهنا يحصل انحلالٌ ، وينبغي أن يسمّى
هذا الإنحلال بـ (الإنحلال التعبّدي) ، إذ لولا التعبّد بحجيّة خبر الثقة لما حصل
هذا الإنحلال . وهل يجب الإستعانة ـ رغم حجيّة خبر الثقة ـ بالتمسّك بإطلاقات
أدلّة الأصول الترخيصيّة أم لا حاجة ؟
الجواب : لعلّك تعلم بأنـنا
نقول بصحّة مسلك الطريقيّة ، للكثير من الأدلّة ، وعليه فيكون خبر الثقة بمثابة
العلم شرعاً ، وح لن نكون بحاجةٍ إلى إجراء الاُصول المؤمّنة ، ولكن رغم ذلك لا
بأس بإجرائها أيضاً ، ولا ضررَ في ذلك .
وبتـفصيلٍ أكثر : حينما يخبرنا
الثقةُ بكون الإناء المتـنجّس هو هذا الإناء الفلاني ، فهذا يصير بمثابة العلم
بنجاسته شرعاً ، أي كما لو علمتَ تماماً ، وأيضاً هذا التـنزيلُ والإعتبارُ
يُثبتان طهارةَ الإناءِ
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 276