اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 273
* * * * *
المقام
الثاني : أركان منجّزيّة العِلم الإجمالي
بعدما عرفتَ العلمَ الإجمالي
بكثير من تـفاصيله وَجَبَ أن نستـنبط الآن أركانَه ، لنعرف متى يكون هذا العلمُ
منجِّزاً ، ومتى لا يكون منجّزاً ، ولا شكّ أنك تعلم أنه يجب أن يتواجد في العلم
الإجمالي عدّةُ شروط وأركان ليكون منجّزاً، وهذه هي الأركان المطلوبة ليكون
منجّزاً، وهي
ثلاثة :
الركن الأوّل
وجود علم بتكليف بين أكثر من
طرف ، كأنْ يَعْلَمَ الشخصُ بنجاسة أحد الإناءين ، إذ لولا هذا العلمُ لكانت الشبهةُ
بدويّةً ، ولجَرَتْ في الإناءِ الاُصولُ المؤمّنة ، كالطهارة والحِلّيّة .
ويكفي خبرُ الثقةِ إذا قلنا
بحجيّته في الموضوعات ـ كما هو الحقّ ـ في حصول العِلْم الإجمالي وفي انحلاله ،
وهذا معنى حجيّته ، فحينما نقول : خبرُ الثقةِ حجّةٌ في الموضوعات ـ كالبـَيِّنَة
ـ فهذا معناه أنـنا إذا أخبرَنا ثقةٌ بنجاسة أحد هذين الإناءين ، فإنك ترى كلّ
المقتـنعين بحجيّة قول الثقةِ يقولون بلزوم الإجتـناب عن كلا الإناءين ، ذلك لأنّ
معنى حجيّته في الموضوعات هو أنه يُثْبِتُ الموضوعَ شرعاً ، وبالتالي يجب الإجتـنابُ
عن كلا الإناءين تحاشياً عن المتـنجّس الواقعي الذي ثَبَتَ شرعاً وتعبّداً .
وكذلك إذا جاءنا ثقةٌ آخر وقال
لنا بأنّ النجاسة التي أخبركم بها فلانٌ الثقةُ قد وقعت في هذا الإناء الفلاني ،
فإنّ معنى حجيّة قول الثقةِ الثاني هو أن نأخذ بقول هذا الثقة الثاني أيضاً ـ كما
أخذنا بقول الثقة الأوّل ـ فينحلّ العلمُ الإجمالي تعبّداً .
إذن لسنا بحاجةٍ ـ لإثبات حصول
العلم الإجمالي أو لإثبات انحلاله ـ إلى القول بمسلك الطريقيّة[230].
[230]
لا بأس بالتذكير بـبعض أدلّتـنا على صحّة مسلك الطريقيّة :
إنـنا نعتقد أنّ الشارع المقدّس قد أقام مؤدّى خبر
الثقة مَقام الواقع ، كما
ونزّل احتمالَ الإصابة فيه منزلةَ العلم الوجداني ، ولذلك نقول بصحّة مسلك
الطريقيّة ، وهذه بعضُ الأدلّة على ذلك :
لاحِظْ مثلاً آيةَ النبأ وغيرَها ترى أنّ الشارع
المقدّس يعتبر الأماراتِ
بمنزلة الواقع ، ويعتبرُ العِلمَ بها بمثابة العلم بالواقع ، كما أوضحنا ذلك
سابقاً من خلال أدلّة كثيرة كقوله تعالى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن
جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبـينُوا أَن تُصِيـبوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ
فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ] فهي تعتبر خبر العادل بـَيِّناً أو
قُلْ بـياناً وعِلْماً ، لأنه لا يحتاج إلى تبـَيُّن وتأكّد ، بخلاف خبر الفاسق ،
ومن خلال صحيحة أحمد بن إسحاق عن أبي الحسن (الهادي (ع) قال : سألته وقلت من أعامل ؟ وعمّن آخذ ؟ وقول من
أقبل ؟ فقال له : العَمْرِيّ ثـقتي ، فما أدّى إليك
عنّي فعَنّي يؤدّي ، وما قال لك عنّي فعنّي يقول ، فاسمع له وأطِعْ ، فإنّه
الثّـقة المأمون ، وأخبرني أبو علي أنّه سأل أبا محمّد (ع) عن مثل ذلك فقال
له : العَمْري وابنُه ثـقتان ، فما
أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤدّيان ، وما قالا لك عنّي فعنّي يقولان ، فاسمع لهما
وأطعهما ، فإنهما الثّـقتان المأمونان ،
ومن خلال مصحّحة إسحاق بن يعقوب قال : سألت محمد بن عثمان العَمْري أن يوْصِلَ لي
كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت علَيّ ، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان (عج) :
.. وأما الحوادث الواقعة
فارجعوا فيها إلى رواة حديثـنا ، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله ، وأما محمد بن
عثمان العَمْري رَضِيَ اللهُ عنه وعن أبـيه مِن قَبْلُ فإنه ثقتي وكتابُه كتابي
وغيرها من أدلّة ، ولذلك
ذهب إلى الطريقيّة أعاظم علمائـنا مثل الشيخ الأعظم الأنصاري والمحقّق النائيني .
قال الشيخ الأنصاري "فمؤدَّى الأماراتِ بحكم الشارع كالمعلوم ... لأنّ معنى حجية
الظن جعْلُ احتمالِ مخالفة مؤداه للواقع بمنزلة العدم" (إنـتهى) . راجع فرائد
الأصول ج 4 / بحث التعادل والتراجيح ص 15 ـ 16 .
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 273