المَقام الخامس : في بعض التـنبـيهات

لا شكّ في أنّ مَن تـنجّز عليه حرمة شرب العصير العنبي باستصحاب عدم زوال الثلثين لا يجوز له الشرب، لكن لو شربه برجاء زوال الثلثين، هل يستحقّ العقاب أم لا ؟ لا شكّ أنه يستحقّ العقاب.

ومثله ما لو ثبت لديه بالبـينةِ زوالُ الثلثين فشَرِبَهُ لكنْ برجاء عدم زوال الثلثَين ، فكذلك يستحقّ العقاب ، وذلك لأنّه تجرّ عقلاً ، أو قُلْ لأنّ هذا الرجاء هو خدشةٌ للمولى وعدم احترام له جلّ وعلا .

ولو قامت أمارةٌ حجّة على حرمة صلاة الجمعة ، ومع ذلك صلاّها برجاء المشروعية والوجوب ، ثم انكشف أنها كانت واجبة ، فهل تصحّ صلاته أم لا ؟

بناءً على ما تقدّم من حرمة التجرّي أو قبحه يجب أن تكون صلاته باطلةً ، وذلك ـ إضافةً إلى عدم إمكان تأتّي نيّة القربة منه ـ لعدم صلاحيّة عبادة الله تعالى بأمْرٍ قبـيحٍ عنده ، أو قُلْ لعدم إمكان التقرّب إلى الله تعالى بعملٍ يراه اللهُ ظلماً له ، وأمّا لو قلنا بعدم القبح فيجب القول بصحّة الصلاة ، وذلك لصلاحيّتها ح للتقرّب . هذا ولكن لا يمكن القول بصحّة الصلاة خارجاً ، وذلك لعدم إمكان تأتّي نيّة التقرّب إلى الله عزّوجلّ من هذا المتجرّي الذي يعمل على خلاف وظيفته الشرعية ، فإنه كيف يتصوّر تأتّي نيّة القربة منه ، وكيف يتحرّك بداعٍ إلهي وهو يعمل بخلاف أمْرِ اللهِ تعالى له ، وبما فيه ظلم للمولى وتجرّؤٌ عليه ؟!

* * * * *

* نَظْرَةٌ إلى استحقاق المنقادِ للثواب

كما قلنا باستحقاق المتجرّي العقابَ ـ دون حرمة نفس التجرّي والفعل المتجرّى به ـ نقول باستحقاق المنقاد للثواب ـ دون استحباب نفس الإنقياد أو استحباب الفعل المنقاد به ـ وذلك لنفس السبب تماماً ، وهو حُسْن نيّته هنا ولإرادته إطاعةَ المولى تعالى ، حتى ولو جاءه العلم أو الظنّ أو الإحتمال من روايات ضعيفة ، فأتى بالفعل برجاء المشروعية والطاعة ، وبتعبـيرنا السالف الذكر في باب التجرّي ـ حيث قلنا إنه يستحقّ العقاب لأنه خدَشَ باحترام المولى ـ نستعمل هنا نفس التعبـير السابق وهو : إنّ المنقاد يستحقّ الثواب لأنه احترم المولى ، وسبق أن قلنا إنّ الممتـثل يستحقّ الثواب على فعله الواجبات فضلاً عن