اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 212
الشرعي ، ولا يقتصر دورها على
إثبات الصغرى أو الكبرى في قياس الإستـنباط . فمثلاً : قاعدة (وجوب الشيء يستلزم
وجوب مقدّمته شرعاً ـ كالحجّ والسير إليه ـ ) قد تقول بأنها توصلنا إلى الوجوب
الشرعي لوجوب المقدّمة ، لأنّ الحكم العقلي كاشف عن الحكم الشرعي لأنّ الله تعالى
من العقلاء بل رئيسهم ، لكن الصحيح أنك إنْ قطعتَ بالملازمة ـ أي بالوجوب الشرعي
للسير إلى الحجّ ـ فهو يعني القطع بالمطلوب وهو عين النـتيجة لا الكبرى فقط .
الثاني : أساس حجيّة القطع
قال الأخوند الخراساني : "لا
شبهة في وجوب العمل على وفق القطع عقلاً ، وفي لزومالحركة على طبقه جزماً ، وفي كونه
موجباً لتـنجيز التكليف الفعلي ـ أي يصير منجّزاً أيضاً ـ فيما أصاب باستحقاق الذم
والعقاب على مخالفته ، وعذراً فيما أخطأ قصورا ًـ وهو مورد الإنقياد ـ وتأثيره في
ذلك لازم ـ أي هو يقول بكون الحجيّة من اللوازم العقلية للقطع ـ وصريحُ الوجدان به
شاهد وحاكم ، ولا يخفى أن ذلك لا يكون بجعل جاعل ، لعدم إمكان جعل تأليفي حقيقة بـينالشيء
ولوازمه ، بل يكون جعلُ الحجيّة عرَضاً بتبع إيجاد نفس القطع .وبذلك انقدح امتـناع
سلب الحجيّة عن القطع كامتـناع إيجادها له ، مع أنه يلزم منه اجتماع الضدين اعتقاداً
مطلقاً ، وحقيقة في صورة الإصابة كما لا يخفى" (إنـتهى) .
أقول : لا شكّ في أنّ العقل
يدرك حجيّة القطع ، فأنت إذا قطعتَ بكون الأمر الفلاني ـ كعبادة الله تعالى والصدق
وأداء الأمانة ـ عدلاً ، وقطعتَ بأنّ العدل حسنٌ ، فإنك ستقطع بأنّ الأمر الفلاني
حسنٌ ، وهذه اُمور عقلية يقينيّة أوّليّة واضحة ، وليست اُموراً تبانَى عليها
العقلاءُ فقط من دون منشأ عقلي واضح ، فكما لا يصحّ أن تقول "تبانَى العقلاء
على أنّ هذا الحائط حائط" ـ لأنه أمْرٌ تكويني ـ فكذا لا يصحّ أن تقول
"تبانَى العقلاء على حجيّة القطع" وذلك لأنّ حجيّة القطع أمْرٌ تكويني ـ
لا جعلي واعتباري من قِبَل العقلاء ـ وذلك لأنّ هذه القاعدة من باب العلّة
والمعلول لأنّ القطع علّة للحجيّة ، أو قلْ الحجيّة أثرٌ تكويني للقطع ، بمعنى أنه
يلحظه كلّ عاقل حتى وإن عصى قطوعاته ، لا ، بل الحجيّةُ ثابتةٌ للقطع حتى عند
الحيوانات وذلك بغريزتها التي خلقها الله فيها ، وإلاّ فلولا وضوح حجيّة القطع
لعاش الناسُ كالمجانين ، لا فرق عندهم ـ في مرحلة التصوّر والتصديق ـ بين العَدل ـ
الذي هو إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه ـ والظلم ـ الذي هو سلب ذي الحقّ حقّه ـ ولا بين الحَسَن
والقبـيح ولا يتصوّرون النظم الإجتماعية .. وبذلك يصيرون أدنى من مرتبة الحيوانات،
لأنّ الحيوانات هداها الله تعالى لما يناسبها.
اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 212