اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 152
* * * * *
مفهوم الجملة الغائيّة
والمراد منه ما يستفاد من
الجملة الغائيّة من مفهوم سلبـي بشرط توقّف طبـيعي الحكم على علّة منحصرةـ وهي تحقّق الغاية ـ وذلك
كما قلنا في الجملة الشرطيّة تماماً [118] ، والمفهومُ هو أنه (إذا
تحقّقت الغايةُ فإنّ طبـيعي الحكم يتغيّر) ، وما لم يثبت توقّفُ طبـيعي الحكم على
بلوغ الغاية فلا مفهوم ، لما ذكرناه في الجملة الوصفيّة تماماً [119] .
وسترَى أنّ الجملة الغائيّة قد
تفيد توقّفَ طبـيعي الحكم على العِلّة المنحصرة ، وقد لا تفيد المفهوم ، ولذلك سنقدّم
عدّةَ أمثلة على موضوعنا ، وسنصنّفُها ضِمن صنفين لينظرَ القارئُ متى يُفهمُ التوقّفُ
المذكور ـ الذي يفيدنا المفهومَ المطلوبَ ـ ومَتَى لا يُفهمُ :
الصنف الأوّل ، ما يدلّ من الجملة
الغائيّة على المفهوم ، وهي فيما لو أفادت معنى توقّف طبـيعي الحكم على علّة
منحصرة :
قال الله تعالى [ وَلاَتـقرَبُوا مَالَ اليَتِيمِ ـ
إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ـ حَتَّىيـبلُغَ أَشُدَّهُ]
[120] ، فمدلولُها المطابقي
هو : يَحْرُمُ بأيّ وجهٍ التصرّفُ بمال القاصر إلاّ بالتي هي أحسن ، وهذا حصْرٌ واضحٌ لجواز التصرّف
بمال القاصر بـبلوغه فقط ، لأنها بمعنى (إلاّ إذا بَلَغَ) ، إذن فمفهومُها هو أنه
إنْ لم يَعُدْ قاصراً فلَكُمْ أن تـقرَبوا مالَه ـ طبعاً بإذنه ـ ، بل قد يقال إنّ
هذا المفهومَ من شدّة ظهوره أشبهُ بالمدلول المطابقي .
والفرقُ بين هذه الآية ـ في الدلالة
على الإنحصار ـ وقولِنا "أكرِمِ الفقيرَ العادلَ" هو أنّ هذه الجملة
الوصفيّة لا تدلّ على الإنحصار ، أي لا تدلّ على معنى (لا يجبُ
إكرامُ الفقيرِ إلاّ إذا كان عادلاً) وإنما تـقول "أكرِمْ هذا الصنفَ من
الناس" فهو حكمٌ مترتّبٌ على موضوع خاص ، ممّا يجعل الحكمَ خاصّاً ، أمّا الآيةُ
فإنها تفيد الحرمةَ من كلّ وجهٍ في حال عدم البلوغ ، فكأنها تـقول : لا يجوز
التصرّفُ أصلاً قبل بلوغه مرحلةَ الرشد ، نعم ، إذا بلغ جاز ، فإذن للآية مفهوم واضح
.
[118]
إدَّعَى العلاّمة السيد حسن بن علي أصغر الموسوي البجنورديفي كتابه (منـتهى الأصول) ج 1 ص 438 وجودَ
مفهومٍ للجملة الغائية ، ورجّحه أيضاً الشيخ محمد رضا المظفّر
في كتابه (أصول الفقه) ج 1 ص 176 .
[119]
قال الشهيد السيد محمد باقر الصدرفي الحلقة الثالثة من كتابه (دروس في علم الأصول) ج
1 من كتابنا ص 310 بعدمِ وجودِ مفهومٍ للجملة الغائية .