اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 129
النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ][97]فإنّ العقل يحكم باستحقاق
العقاب مع المخالفة ، كما ويحكم بوجوب اتـقاء النار ، ومثلها قوله تعالى [وَلاَ
تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً ][98] فإنه حكم عقلي واضح
جدّاً ، لذلك نقول : هكذا كلمات هي إرشادٌ إلى أحكام العقل ، لا أنها أوامر ونواهي
نفسيّة .
ومثلها أيضاً الآياتُ والروايات
التي تحثّ على السعي للقرب إلى الله وكسب الدرجات العليا ونيل الثوابات أو التي تـنبّه
على وجوب دفع الضرر الأخروي المنـتهي إلى العقاب ...
وبكلمة مختصرة : هذه الأوامر
والنواهي مسوقةٌ لبـيان حقيقة عقليّة واضحة ومعلومة عند كلّ الناس ، فهي تذكيريّة
فقط ، أي تـنبّه الناس إلى لزوم العمل بأحكام العقل وإلى مدى خطورة ما يُقْدِمُون
عليه .
2 ـ الأوامر والنواهي إن كانت إلزاميّة فهي نفسيّة ، وذلك
كوجوب الصلاة وحرمة شرب الخمر ، ولا يمكن أن تكون إرشاديّة بذريعة أنها إرشاد له
إلى حُسْنِ الصلاة جدّاً بحيث يستحقّ العبد العقاب على تركها لشدّة أهميّتها ،
فهذا خطأ محض ، لأنّ لنا أن نقول ح : لو كان الأمر بالصلاة والنهي عن شرب الخمر
إرشاديّاً إلى شدّة مصلحة هذا وشدّة مفسدة ذاك على الإنسان ، فللإنسان أن يقول ح
إذن أنا لا أريد هذه النصائح ولا أريد أن أنفع نفسي ، ولذلك قال العلماء بأنّ
التكاليف الإلزاميّة ـ أي الوجوب والحرمة ـ هي أحكامٌ نفسيّة لا إرشاديّة .
وإن لم تكن إلزاميّة فهي إرشاديّة للعبد ـ
لا إلزاميّة له ـ وذلك كما في طلب التـنفّل وقراءة القرآن والكون على الطهارة فإنها
إرشاد إلى كون هذه العبادات مقرّبة إلى الله تعالى في الدنيا والآخرة ، وكاستحباب
السواك فإنه يرشدنا إلى استحباب التـنظُّف وإزالة الروائح الكريهة ، وأمّا استحباب
غسل الجمعة فلا يـبعد أن يكون له فائدتان معنويّة وماديّة ، وكذا الأمر فيما لو
كانت الأوامر والنواهي للإرشاد إلى الشرطيّة أو المانعيّة ونحوهما كالأمْرِ بتطهير
الثياب والضحك في الصلاة . ولذلك يمكن لك أن تـقول بأنّ الأوامر الإرشاديّة هي
أوامر غيريّة ، بمعنى أنّ النظر فيها هو الإرشاد إلى أمر آخر غير المأمور به ، لا
بمعنى أنها كمقدّمة الواجب ـ أي لا بمعنى أنها كالسير إلى الحجّ ـ .
3 ـ لا يـبعد أن يكون الحكمُ
النفسي ـ أي بالوجوب والحرمة ـ لمصلحة عائدة إلى الآمِر تعالى من باب ما ورد في الحديث
الشريف كنت كنزاً مَخْفِيّاً ،
فأحبـبتُ أن اُعرَفَ ، فخلقتُ الخلقَ لكي اُعرَفَ [99]