قلتُ : نعم ، ما ذكرتموه
صحيح ، ولكن ليس كلامنا هنا إلاّ في دلالة صيغة الأمر فقط ، هذا أوّلاً ، وثانياً : إنّ آية [ وَسَارِعُوا
إِلَى مَغْفِرَةٍ ] تـفيد طلب المسارعة إلى المغفرة ، لا إلى فعل الواجبات ، ثم لو
كانت تـفيد معنى وجوب المسارعة إلى فعل الواجبات لَوَقَعَ المؤمنون في الحرج في
كلّ الواجبات والعبادات خاصّة ، ولَعُلِمَ ذلك بوضوح لا يَخفَى على أحَدٍ من
المسلمين كما في موارد قضاء الصلوات الفائـتة والصيام الفائت مثلاً . المهمّ هو
أنّ آيةَ [وسارِعُوا إلى مغفرةٍ ..] تـفيد استحبابَ الإسراع في الإستغفار من الذنوب
ومن التوبة الندامة ومن التـقصير مع الله جلّ وعلا ، فإنّ تباطؤ الإنسان في
الإستغفار يُعَمِّقُ النكتةَ السوداء على قلبه ، فيصير من الصعب إزالتها ، ولذلك
فلا يـبعد أن يكون هذا الإستحباب إرشاداً إلى أمرٍ عقليّ محض وهو وجوب الإسراع في
التوبة والإستغفار والندامة ، ولذلك كان المعروف بين علمائـنا عدم وجوب الإسراع في
قضاء الصيام وفي فِعْلِ الفرائض الأدائيّة أو القضائيّة .
وكذلك الأمْرُ تماماً في آية [
فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ ] فهي تـفيد استحبابَ الإستباق بين العباد في الخيرات ،
وليست بصدد الإسراع في إنجاز الواجبات ، وإلاّ لوجبت الفوريّةُ في فِعْلِ
المستحبّات أيضاً . وبتعبـير آخر : آيةُ [ فاسْتَبِقُوا الخَيراتِ ] تعني استحبابَ
الإستباق والمسابقة بين العباد في الخيرات ، هذا هو المهم للإنسان الذاهب إلى ربّه
ليحاسبه ، وليس المهم هو فقط المسابقة في الألعاب الرياضيّة .
* * * * *
الأمر السادس : الأوامر
الإرشاديّة
لا شكّ في أنّ صيغة الأمر تدلّ
على الطلب حتى ولو كانت في سياق الإرشاد إلى الجزئيّة أو الشرطيّة أو المانعيّة . فمثلاً
: قول المولى تعالى[إِذَا
قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُواوُجُوهَكُمْ ..][93]ظاهره أنه أمرٌ بالوضوء
لأجل الصلاة ، وواقعه هو بـيان اشتراط الصلاة بالطهارة ، وكذا الحال فيما