اسم الکتاب : دُرُوسٌ في عِلْمِ الأُصُول (الحَلَقَةُ الرّابِعَة) المؤلف : آل فقيه العاملي، ناجي طالب الجزء : 1 صفحة : 125
وأمّا قول الطبـيـب للمصاب
بقرحة المعدة مثلاً : "لا تشرب الشاي والقهوةَ على الريق ، فإذا أكلت فاشربهما"
فهنا قولُه "فاشربهما" لا يعني الوجوب ، وإنما هو مجمل ، فقد يريد الطبـيـب
من كلامه هذا إفادةَ معنى يجوز شربهما ، وقد يريد إفادة معنى يستحبّ شربُهما للتـنشيط
مثلاً .
إذن لا يمكن إعطاء قاعدة عامّة
، ولذلك نقول بأنّ صيغة الأمر الواردة عقيب الحظر أو عقيب توهّم الحظر لا تـفيد
الجواز دائماً ، وإنما يختلف المعنى بحسب اختلاف مادّة الحكم .
* * * * *
الأمر الرابع : هل تـفيد صيغةُ
الأمْرِ كـفايةَ الامتـثال مرّةً أو يجب التكرار ؟
لا شكّ ولا خلاف في أنّ صيغة
الأمر لا تـفيد المرّة ولا التكرار ، وإنما هيأة ( إئْتِ ) بالصلاة مثلاً أو (إفعلْ)
تـفيد طلبَ إيجادِ الطبـيعة ، والطبـيعة توجَدُ بالفرد الأوّل ، فإذا أمرنا المولى
بالصلاة مثلاً فإنّ العقل يكتـفي بالصلاة الأولى ، وذلك لأنّ الطبـيعة المأمور بها
توجد بالفرد الأوّل ، ومثالُها من القرآن الكريم [ وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البـيتِ
مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبـيلاً ] [88]، فإنْ حجّ الإنسانُ
مرّةً واحدة فقد سَقَطَ الوجوبُ لا محالة .
أمّا صيغة النهي كقولك "السرقة
حرام" "الظلم حرام" فهي أيضاً تـفيد النهي عن الطبـيعة ـ وليس طلب
الكفّ عن الطبـيعة ـ أي أنّ النهي متعلّق بالطبـيعة لا بالأفراد ، ولكن بما أنّ الطبـيعة
لا تـنـتفي إلاّ بانـتـفاء كلّ أفرادها كان قولك "السرقة حرام" و
"الظلم حرام" يفيد حرمة كلّ سرقة وكلّ ظلم ، وهذا واضح ، لأنّ التجنّب
عن الطبـيعة لا يحصل إلا بتجنّب كلّ أفرادها ، لذلك قالوا بأنّ النهي شمولي ، وهذا
الكلام شامل حتى في مثل قولك لصديقك ـ وأنـتما قريـبان من عدوّكما ـ "لا تـتكلّمْ
فيسمعَنا" ، ففي هكذا حالة كلّ كلام ممنوع ، إلاّ إذا علم العدوُّ بوجودكم ،
فح لا معنى لعدم التكلّم بعد .
إذن الأمر والنهي يفيدان الأمْرَ
بالطبـيعة والنهي عن الطبـيعة ، فإنِ استـفدت من بعض المواردِ وجوب التكرار مثلاً
فهو لقرينة خاصّة ، وذلك كما في قوله [أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ
الفَجْرِ ، إِنَّ قُرْآنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً (78)] [89] ومثل قوله سبحانه
وتعالى [فَمَن