اسم الکتاب : لمحات الأصول المؤلف : بروجردى، حسين الجزء : 1 صفحة : 312
و الفرق بين الحقيقة و المجاز: أنّ الاستعمال في الأوّل لإحضار المعنى في الذهن و إثباته فيه، و في الثاني لإحضاره فيه؛ لكونه عَبرة إلى الآخر؛ بدعوى اتّحاده معه، و لولا ذلك لما كان مصحِّح للاستعمال؛ فإنّ مُصحّحه هو الوضع، و لَما استُحسنت الاستعمالات المجازية.
أ لا ترى: أنّه إذا جاء شخصٌ موصوف بكمال البخل و الضنة، فقيل:
«جاء حاتم» يكون استعمالًا [هزيلًا] و مضحكاً للحضّار، و لولا استعمال اللفظ في معناه الحقيقي، و استعمال المعنى في المعنى بدعوى الاتّحاد و العينيّة، لما صار [هزيلًا] و مُضحكاً.
و الشاهد عليه: أيضاً- بعد شهادة الوجدان السليم- أنّه قد يكون عدّة ألفاظ لها معانٍ خاصّة، لا يراد من واحدٍ منها المعنى المجازي، بل من مجموعها، و لا يمكن أن يقال: إنّ المجموع مستعملٌ فيه، مثل قوله تعالى: «وَ لَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَ رَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا ...»[1] حكاية عن قوم موسى و ندامتهم على عبادة العجل، فعبّر تعالى عن وحشتهم و ندامتهم بقوله: «سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ»، مدّعياً اتّحادهم مع من سُقِط في يده شيء فجأة، فأخذته الوحشة، و معلومٌ أنّ كلّ واحدٍ من ألفاظ الجملة لم يستعمل إلّا في معناه، و اريد إحضار معنى الجملة في الذهن؛ عَبرة إلى المعنى المجازي المقصود.
و بالجملة: لا إشكال في أنّ حال المجازات و الحقائق ما ذكرنا: من أنّ استعمال الألفاظ إنّما هو في المعاني الموضوعة لها في الجميع، فيصحّ أن يقال:
إنّ المعاني الحقيقيّة تكون مرادة استعمالًا و جدّاً في الاستعمالات الحقيقيّة، و تكون مرادة استعمالًا- لا جدّاً في الاستعمالات المجازيّة، و المعاني المجازيّة تكون مرادة جدّاً- لا استعمالًا- أي لا تكون الألفاظ مستعملة فيها ابتداء