اسم الکتاب : مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام المؤلف : الشهيد الثاني الجزء : 6 صفحة : 49
و لو كانت الهبة فاسدة صحّ البيع على الأحوال. (1)
صحّة العقد في نفسه، لأنّه أثره، فلو كان البيع فاسدا لم يترتّب عليه أثره و هو الفسخ، مع الاتّفاق على أنّ الفسخ يحصل بذلك، و إنّما الخلاف في حصولهما معا به، و لعموم «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ»[1].
و فيه نظر، لأنّا نمنع من توقّف الفسخ على صحّة العقد، بل على حصول لفظ يدلّ عليه، و إيقاع البيع على هذا الوجه يدلّ على إرادة الفسخ فيقتضيه، و إن تخلّفت صحّة البيع من حيث اشتراط تقدّم الملك عليه.
و الأولى في الاستدلال على صحّته: أنّ العقد يدلّ على إرادة الفسخ، و الغرض من الألفاظ المعتبرة في العقود الدلالة على الرضا الباطني لأنّه هو المعتبر، و لكن لمّا لم يمكن الاطّلاع عليه نصب الشارع الألفاظ الصريحة دالّة عليه و اعتبرها في صحّة العقد كما نبّهوا عليه كثيرا في أبوابه. و حينئذ فالعقد المذكور يدلّ على تحقّق إرادة الفسخ قبل العقد، فيكشف العقد عن حصول الفسخ بالقصد إليه قبل البيع. أو نقول: إذا تحقّق الفسخ بهذا العقد انتقلت العين إلى ملك الواهب و كان العقد بمنزلة الفضولي، و قد ملكها مَنْ إليه الإجازة، فلزم من قبله، كما لو باع ملك غيره ثمَّ ملكه، أو باع ما رهنه ثمَّ فكّه، و نحو ذلك، و أولى بالجواز هنا، لأنّ بائع ملك غيره قد لا يقصد بيعه على تقدير كونه مالكا له، بخلاف هذا، فإنه قاصد إلى البيع مطلقا كما لا يخفى.
و كيف كان فالأقوى صحّة البيع و الفسخ معا. و مثله يأتي في بيع ذي الخيار و بيع المدبّر و الموصى به مطلقا، و المكاتب حيث يجوز فسخها، و نحو ذلك.
قوله: «و لو كانت الهبة فاسدة صحّ البيع على الأحوال».
(1) المراد بالأحوال ما تقدّم تفصيله من كون الهبة لرحم أو غيره، عوِّض عنها أو لم يعوَّض. و يحتمل أن يريد به ما هو أعمّ من ذلك بحيث يشمل مع ذلك ما لو علم بالفساد أو لم يعلم. و وجه الصحّة في الجميع وقوع العقد من مالك جائز التصرّف