سلب المحمول عن موضوعه و أنّه غير متّصف به و غير معنون بعنوانه و مرجعه إلى ما ذكرناه و اخترناه على ما يساعد عليه الوجدان في الاستعمالات و المحاورات من أنّ النسبة الثبوتيّة أمر منتزع عن نفس وجود العرض في محلّه و قيامه به و فنائه فيه كما أنّ السلبيّة عبارة عن عدم قيام العرض بمحلّه فيصير ذلك وصفا أو عنوانا عدميّا للموضوع لا محالة و هذا معنى قولهم النسبة في حاقّ حقيقتها تنقسم إلى الثّبوتيّة و السّلبيّة
و يشهد لذلك ما بنوا عليه و حقّقوه من أنّ كلّ واحد من الوجود و العدم ينقسم إلى النفسيّ المحموليّ و الرابطيّ نعم قد استشكل صدر المتألّهين في العدم الرّبطي نظرا إلى أنّ العدم كيف يكون رابطا مع أنّه لا يصلح لأن يكون منشأ لأثر بل الآثار كلّها من قبل الوجود و هو منشؤها و مبدؤها و لذا قد مال في حقيقة النّسبة إلى ما ذهب إليه المتقدّمون من أنّ النّسبة السلبيّة سلب ما في القضيّة الإيجابيّة غفلة عن تواليه الفاسدة و محاذيره الّتي أشير إليها في الجملة مع مصادمته للضّرورة و الوجدان
و قد أجاد شيخنا الأنصاري (قدّس سرّه) و كيف أجاد بل لعلّه ممّا أجرى اللّٰه تعالى على قلمه من التّعبير عن العدم الرّبطي بالنّعتي و به يحسم مادّة الإشكال لوضوح صلاحيّة العدم المضاف أن يصير نعتا لمنعوته و عنوانا له و لو سلّم عدم صلاحيّته للرّبط كما توهّم
و الحاصل أنّ الذّوات كما تتّصف بالأوصاف الوجوديّة كذلك تتّصف بالأوصاف العدميّة بمعنى أن يكون عدم القيام مثلا عنوانا و وجها لزيد كما أن وجوده ربما يكون كذلك
و قد ظهر أن كلّا منهما بذاك الاعتبار ليس مسبوقا بالعدم فلا مجال لاستصحابه بل المسبوق به باعتبار وجود الوصف و عدمه المحمولي و استصحابه بذاك الاعتبار لا يثبت وجوده و عده نعتا و إن يلازمه واقعا إلّا أنّ بناء الأصول على التّفكيك بين اللّوازم و الملزومات و الملازمات كما لا يخفى
و قد ظهر أيضا أن صدق السّالبة بانتفاء الموضوع من الأغلاط الواضحة و ما يتداول في الألسنة بنحو من العناية لا محالة لو كان من الاستعمالات الصّحيحة فلا يزاحم مع ما ذكرنا من البيان و إقامة البرهان
نعم هناك مغالطة قد استدلّ بها القائلون بالصّدق و هي أنّه لو لم يصدق السّالبة عند انتفاء الموضوع لصدق نقيضه لا محالة و التّالي باطل بالضّرورة فالمقدم مثله مثلا لو لم يصدق زيد ليس بقائم عند انتفاء الموضوع لصدق نقيضه و هو زيد قائم لامتناع ارتفاع النّقيضين و حلّه أنّ العوارض اللّاحقة للموضوعات تارة هي نفس الوجود و العدم و أخرى سائر العوارض كالقيام و القعود و نحوهما
أمّا الوجود و العدم فيلحقان ذات الموضوع بماهيّته و حقيقته العارية عن كلا الوصفين و لذا يكون الحمل في مثل زيد موجود مبنيا على العناية و التّجريد و حينئذ فيهما وصفان متقابلان تقابل الإيجاب و السّلب بمعنى امتناع ارتفاعهما بالقياس إلى الماهيّات كما يمتنع اجتماعهما أيضا و لا يعقل الواسطة بينهما إذ معروضهما ذوات الماهيّات كما قلنا
و أمّا سائر العوارض فتلحق الموضوعات المفروضة وجودها فإنّها هي الّتي تصحّ قيام العرض بها أو نقيضه و انقسامها إلى القسمين و أمّا الماهيّة بذاتها مع قطع النّظر عن كونها موجودة لا تكاد تتصف بالقيام و لا بنقيضه و كذلك سائر العوارض فيكون تقابل كلّ عرض و نقيضه تقابل العدم و الملكة لورودهما على موضوع قابل لأن يتّصف بهما و هو الموضوع المفروض الوجود فيصحّ حينئذ ارتفاعهما بانتفاء موضوعه