اسم الکتاب : مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين(ع) المؤلف : حافظ رجب البرسي الجزء : 1 صفحة : 280
هذا لفظه الظاهر يوهم تفضيل الولي على النبي (عليهما السلام)، و العقل المحض عكسه لأن رتبة الولي و إن علت فهي تحت رتبة النبي، و إن تطاولت، و ذلك لأن سر الأوّلين و الآخرين أودع في النبي، ثم أحصر في الإمام الولي، فمنه فاض إليه و به دلّ عليه، و سائر الأسرار إلى الوجود منهما و عنهما و هما من اللّه و عنه، فما من غيب وصل إلى النبي بالوحي و الخطاب الإلهي إلّا و قد وصل إلى الولي ظاهره و باطنه، فالنبي إليه الإنذار و التنزيل، و الولي إليه الإهداء و التأويل .. و إليه الإشارة بقوله: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ يا محمد وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ[1] و هو علي.
فالنبي أمر أن ينطق من الغيب بعلم الظاهر عند الإذن من اللّه لأنه صاحب الشرع .. و إليه الإشارة بقوله: وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ[2] فالنبي أوتي من اللّه
و قال (عليه السلام): «لا تذيعوا سرّنا و لا تحدّثوا به عند غير أهله فإن المذيع سرّنا أشدّ علينا من عدوّنا» (الخرائج و الجرائح: 267 باب 7).
و قد بيّن الإمام العسكري (عليه السلام) علّة عدم إخبارهم بالامور الغيبية بقوله لموسى الجوهري: «ألسنا قد قلنا لكم لا تسألونا عن علم الغيب، فنخرج ما علمنا منه إليكم، فيسمعه من لا يطيقه استماعه فيكفر» (الهداية الكبرى: 334 باب 13).
و الظروف التي كان يعيشها النبي (صلّى اللّه عليه و آله) و القليل من الأئمّة كانت مختلفة فرسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) كان في بداية الدعوة الإسلامية و قريب عهد بالجاهلية.
و إذا أردنا أن نبرم هذا الكلام فلا بأس بنقل كلام لسماحة الشيخ محمد الحسين المظفر يصلح أن يكون جوابا عن هذا المطلب: قال بعد أن ذكر توقف الرسالة على علم النبي (صلّى اللّه عليه و آله) بكل الأشياء: فعلم الرسول بالعالم و إحاطته بما يحدث فيه و قدرته على تعميم الإصلاح للداني و القاصي و الحاضر و الباد؛ من أسس تلك الرسالة العامة و قاعدة لزومية لتطبيق تلك الشريعة الشاملة.
غير أن الظروف لم تسمح لصاحب هذه الرسالة (صلّى اللّه عليه و آله) أن يظهر للامّة تلك القوى القدسية و العلم الربّاني الفيّاض. و كيف يعلن بتلك المواهب و الإسلام غضّ جديد، و الناس لم تتعرّف تعاليم الإسلام الفرعية بعد؟! فكيف تقبل أن يتظاهر بتلك الموهبة العظمى و تطمئن إلى الإيمان بذلك العلم. بل و لم يكن كل قومه الذين انضووا تحت لوائه من ذوي الإيمان الراسخ، و ما خضع البعض منهم للسلطة النبوية إلّا بعد اللتيا و التي و بعد الترهيب و الترغيب» (علم الإمام: 9- 10).
نعم فقد أفصح النبي (صلّى اللّه عليه و آله) لخاصة أصحابه عن كنه حقيقته و حقيقة علمه ليس هنا محل ذكرها.