اسم الکتاب : مباني نقد متن الحديث المؤلف : البيضاني، قاسم الجزء : 1 صفحة : 73
المَبحث الثالث : علاقة السُنّة بالكتاب
قُلنا سابقاً : إنّ رُتبة السُنّة من القرآن تأتي بالدرجةِ الثانية بَعده ، وإنْ كانتْ حُجّة بنفسها ، أمّا بالنسبة إلى علاقتها ومَنزلَتها بالنسبة إلى القرآن ، فقد قَسّمها الشافعي إلى ثلاثة أقسام ، اتّفق علماء المسلمين على اثنين ـ وإنْ اختلفوا في بعض التفاصيل ـ ، واختلفوا في القِسم الثالث ، قال : ( إنّ سُنَن النبي (ص) من ثلاثة وجوه ، فاجتمعوا فيها على وَجهَين ، والوجهان يَجتمعان ويَتفَرَّعان .
أحدهما : ما أنزلَ الله فيه نصّ كتاب ، فبيَّنَ رسولُ الله (ص) مِثل ما نصّ .
والآخر : ما أنزل الله فيه جُملة كتاب ، فبيَّن عن الله مَعنى ما أراد .
وهذان الوجهان اللَذان لم يختلفوا فيهما .
والوجه الثالث : ما سَنَّ رسول الله (ص) فيما ليس فيه نصّ كتاب .
فمنهم : جَعلَ الله له ، بما افترضَ من طاعته وسبق في عِلمه من توفيقه لرضاه ، أن يَسنَّ فيما ليس به نَصّ كتاب .
ومنهم : مَن قال : لم يَسنّ سُنّة قَطْ إلاّ ولها أصل في الكتاب ، كما كانت سُنَنه لتَبيِين عَدَد الصلاة . . . [192] .
والّذي يظهر من كلام الشافعي : أنّهم لم يَختلفوا في النوع الثالث ، وإنّما الاختلاف كان حول كيفيّة تشريع الحُكم من قِبل الرسول (ص) ، هل أنّ كلّ ما سَنَّه الرسول (ص) له أصل في الكتاب ، أو لا ؟
ولذلك يُمكن تقسيم علاقة السُنّة مع الكتاب كالتالي :
1 - السُنّة الّتي تدلّ على الكتاب من جميع الوجوه ، فتكون من تَوارُدِ الأدلّة ، كما في قوله (ص) : ( لا يحلّ مَال امرئٍ مِنكم إلاّ بِطِيبِ من نَفسه ) ، فإنّه يُوافِق قوله تعالى : ( وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ ) ، أو قول الرسول (ص) : ( اتّقُوا الله في النِساءِ ، فإنّهنَّ عَوَانٌ عندَكم . . . ) ، فإنّه يُوافِق قول الله تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) .
2 - السُنّة الّتي تُبيِّن القرآنَ فتُفَصِّل مُجمَله ، أو تُوضِّح مُشكله ، أو تُقيِّد مُطلَقه ، أو تُخصِّص عامَّه ، وذلك مِثل السُنَن الّتي بَيَّنَتْ كيفيّة الصلاة والصوم ، والحجّ وأحكام الحجّ ، وتفاصيل الرِبَا . . . الخ .
اسم الکتاب : مباني نقد متن الحديث المؤلف : البيضاني، قاسم الجزء : 1 صفحة : 73