إذا عرفت هذا، فنقول: فيما نحن فيه هذا الحديث و تلك القاعدة يقتضيان نفوذ إقرار الزوج بالطلاق في حقّ نفسه؛ إذ هو المتبادر من الإقرار و أدلّته، و بالنسبة إلى غيره إمّا مدّع فيحتاج إلى البيّنة، و إمّا منكر فيحتاج إلى اليمين.
و أمّا ما يدّعى من ترجيح الثاني من جهة أنّه أمين من اللّه على ذلك؛ لأنّه فوّض إليه أمر الطلاق، و ليس ذلك بأقلّ من تأمين العباد بعضهم بعضا، فلا بدّ من تقديم قوله: فهو كلام ظاهري خطابي؛ إذ المعيار في تقديم قول الأمين هو جعله منكرا متمسّكا بأمر راجح؛ و ذلك لأنّ العقل و العادة يحكمان بأنّ العاقل لا يفوّض أمره إلّا إلى من يطمئن به و تسكن نفسه إليه، و يصدقه في قوله و فعله، فإذا ادّعى شيئا فالراجح وقوعه و صدقه، و للزوم الحرج و العسر لو لزم منه في أفعاله البيّنة؛ لتعذّره أو تعسّره عليه غالبا.
و أمّا فيما جعل اللّه الأمر إلى عبده من الأحكام مثل الطلاق و الظهار و الإيلاء و نحو ذلك، و ليس منوطا بالأمانة و الصدق؛ إذ الفاسق و العادل سواء في هذه الأمور كما هو واضح بيّن: فتقديم قول أمناء العباد لا يستلزم تقديم قول المستقلّين في الأمر من جانب اللّه تعالى.
فنقول حينئذ: إمّا أن يكون النزاع في بقاء سلطنة الزوج و عدمه مع كون باقي أحكام الطلاق و لوازمه مسكوتا عنها، فتكون المفارقة موافقة لغرض الزوجة، و الاستمرار على النكاح موافقا لغرض الزوج، فإذا أخبر الزوج بالطلاق فهذا إقرار مسموع و نافذ، و لا يحتاج إلى شيء آخر.
و إذا انعكس الأمر و كانت الزوجة مدّعية للاستمرار منكرة للطلاق، فإخبار الزوج بالطلاق دعوى، فتحتاج إلى الإثبات، غاية الأمر جعل الزوجة مدّعية لكذبه