و قد تمسّكوا في خصوص كثير ممّا جوّزوا فيه العمل بالاستفاضة بالعسر و الحرج و عدم التمكّن من إقامة البيّنة أيضا.
و القدح في الاستدلال بالأولويّة «بأنّه إنّما يتمّ إذا كانت حجيّة البيّنة إنّما هي من جهة حصول الظنّ المطلق، بل لعلّه كان تعبّدا أو لحصول الظنّ الخاص» و إن كان ممكنا، لكنّه يرد على القادح أنّ جمهور العلماء يستدلّون في اشتراط العدالة في الشاهد باية النبأ المعلّلة بقوله تعالى: أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهٰالَةٍ[1] المشعرة بأنّ قبول قول العدل لأجل حصول الظنّ بصدقه، دون الفاسق، و لذلك يجوز العمل بقول الفاسق بعد التثبّت، فكيف يجتمع الاستدلال بالآية في اشتراط العدالة في الشاهد مع القول بأنّه تعبّدي؟!
و لكن قد أوردنا عليهم أنّه لا يجتمع الاستدلال بالآية على هذا المطلب مع استدلالهم بها على حجّية خبر الواحد؛ إذ المقصود في الأوّل حجيّة العدل الواحد في الجملة و إن احتاج إلى التتميم بانضمام آخر، و في الثاني كفاية الواحد و إن لم ينضمّ إليه آخر.
و بيّنّا أنّ الأقرب إبطال استدلالهم بها في الشهادة و إبقاؤها لحجيّة خبر الواحد، كما بيّنّاه في القوانين في مواضع، منها في أوائل مبحث «الاجتهاد و التقليد» في إثبات حجيّة مطلق الظنّ [2].
و كيف كان، فعلى مختارنا من حجّية مطلق ظنّ المجتهد يترجّح القول بحجّية الاستفاضة، و إن قلنا بأنّ العمل بالبيّنة تعبّدي، فإنّ الظنّ القويّ حاصل بجواز الاعتماد على هذا الظنّ، سيّما إذا انضمّ إليه شيء آخر من العسر و الحرج و غيرهما.
و أمّا لو اعتبر العلم: فلا ريب في حجيّتها و جواز التمسّك بها.