عبارة عن اعتبار المغايرة بين المبدأ و الذات، فإنّه بعد الفراغ عن اعتبارها يقع الكلام في الجهة الثانية و أنّ ما كان المبدأ فيه متّحدا مع الذات بل عينها خارجا، كيف يعقل قيامه بالذات و تلبّس الذات به؟ لأنّه من قيام الشيء بنفسه و هو محال، إذ تعقّل التلبّس على نحو المتعارف في الممكنات من حيث القيام غير ممكن في صفاته عزّ و جلّ.
فلا بدّ لنا قبل البحث عن هذين الجهتين من تحرير محلّ النزاع في صفاته تبارك و تعالى، في ضمن بيان مقدّمة مفصّلة تكون منشأ التفصيل في بيان صفات الذات و غيرها من صفات الأفعال.
و اعلم أنّ هذه المقدّمة عبارة عن أنّ الصفات الجارية على اللّه عزّ و جلّ على شكلين:
أحدهما: صفاته الذاتية، و هي التي يكون المبدأ فيها عين الذات: كالعالم و القادر و الحيّ و السميع و البصير، و قد ذكرنا في بحث التفسير أنّ رجوع الأخيرين يكون إلى العلم أيضا، إذ أنّهما علم خاصّ و هو العلم بالمسموعات و المبصرات [1].
و ثانيهما: صفاته الفعليّة، و هي التي يكون المبدأ فيها مغايرا للذات: كالخالق و الرازق و المتكلّم و المريد و الرحيم و الكريم، و ما شاكل ذلك، فإنّ المبدأ فيها- و هو الخلق أو الرزق أو نحوه- مغاير لذاته تعالى.
فإذا علمت ذلك فانقدح لك أنّ ما ذكره المحقّق صاحب الكفاية لا يخلو من الخلط بين صفات الذات و صفات الأفعال، إذ عدّ (قدّس سرّه) الرحيم من صفات الذات مع أنّه يكون من صفات الفعل [2].