و قد بقي هنا شيء لا بدّ لنا من الإشارة إليه ليتّضح لك عدم ورود إشكال شيخنا الاستاذ (قدّس سرّه) [1] عليه، و هو عبارة عن أنّ النزاع في هذه المسألة مختصّ بالهيئة في سعة مفهومها الاشتقاقي و ضيقه، من دون وجه اختصاص لها بمادّة دون مادّة، من دون أن يكون له نظر إلى كيفية المادّة بأنّها ذاتيّة أو عرضية، و أنّ بزوالها تنعدم الذات أو أنّها باقية، إذ كلّ ذلك غير دخيل في محلّ البحث و النزاع.
نعم المادّة إذا كانت ذاتيّة لا يعقل فيها بقاء الذات عند زوال التلبّس، و لكن لا ينبغي الغفلة في أنّ الهيئة غير مختصّة بها، بل الحقّ و الإنصاف يقضي بأنّها تعمّ ما يعقل فيه بقاء الذات عند زوال التلبّس.
مثلا المادّة في الناطق بالقطع و اليقين تكون ذاتية، و لكنّ الهيئة بالقطع و اليقين لا يختصّ وضعها بها، بل يشمل غيرها كالقائم و نحوه من الهيئات، كما أنّ الأمر يكون كذلك في مادّة الحيوان، فإنّها ذاتيّة و لا يعقل بقاء الذات بدونها، إلّا أنّ الهيئة غير مختصّة بها، بل تعمّ غيرها أيضا، نظير العطشان و أمثاله، و هكذا بالنسبة إلى بقيّة الهيئات.
و بالجملة: فإنّ لبّ المقصود عبارة عن أنّ النزاع هنا مختصّ بوضع الهيئة فقط، و أنّها وضعت لمعنى وسيع عامّ، أو أنّها موضوعة لمعنى ضيّق خاصّ فقط، و لا ينظر إلى المادّة و المبدأ أصلا و أبدا.
فانقدح بذلك التحقيق أنّه لا فرق بين أن يكون المبدأ ذاتيّا أو عرضيا، فإنّ ذاتية المبدأ غير مضرّة بوضع الهيئة للأعمّ، إلّا أنّه إذا كان وضع الهيئة مختصّا بذلك المبدأ كما في العناوين الذاتية، فبما أنّ الوضع فيها شخصي فالنزاع