ملاك أحدهما لا ربط له بملاك الآخر بوجه من الوجوه، فمن المعلوم أنّ ملاك صحّة الحمل اتّحاد المفهومين إمّا من ناحية الحقيقة و الذات، و إمّا من ناحية الوجود، فإذا كانا كذلك صحّ الحمل، بلا فرق بين ما كان التعبير عن المفهوم و المعنى المعلوم تفصيلا حقيقيّا، أم كان معنى مجازيّا، و من الواضح أنّ هذا المعنى لا ربط له بصحّة الحمل و عدمها، بل إنّه أجنبيّ عنها و عن عدمها من الأصل و الأساس؛ إذ من البديهي أنّ حمل الإنسان على زيد صحيح، بلا فرق بين ما إذا كان إطلاق لفظ الإنسان على الطبيعي المنطبق على زيد و بكر و خالد في الخارج حقيقيا أو من باب المجاز.
و ملخّص الكلام أنّ مجرّد صحّة حمل شيء على شيء عند العرف و المحاورة ليست لها جهة كشف عن الوضع و إثبات الحقيقة إلّا ببركة التبادر أو مثله، و إلّا فقد انقدح أنّ مجرّد صحّة الحمل و الاستعمال و الإطلاق أعمّ من الحقيقة و المجاز لو خلّي و طبعه، و لا تدلّ على أزيد من الاتّحاد بين الموضوع و المحمول من أنواع الاتّحاد.
و لا ينقضي تعجّبي منه (قدّس سرّه) حيث فصّل في الحمل الذاتي بين حمل الحدّ على المحدود كقولك: الإنسان حيوان ناطق، و بين غيره كقولك: الغيث مطر، فالتزم أنّ الأوّل لا يدلّ على الوضع و الحقيقة دون الثاني، و ذلك من جهة أنّ الاتحاد لو كان طريقا إلى الحقيقة فمن اتّحاد (الحيوان الناطق) مع الإنسان بالذات و الحقيقة يستكشف بالبداهة أنّ لفظ الإنسان في اللغة موضوع لمعنى مندمج يحلّله العقل إلى جزءين، جزء مشترك فيه و هو الحيوان، و جزء آخر يميّزه عن غيره و هو الناطق، فهما بعينهما معنى الإنسان بالتحليل الدقّي العقلي.
و لا يذهب عليك أنّ ما ذكرناه هنالك يكون هو شأن كلّ مفهوم بالإضافة إلى حكم العقل بالبداهة و الضرورة من الوجدان، بل إنّه يكون من الواضحات