responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : خزانة الأدب و غاية الإرب المؤلف : ابن حجة الحموي    الجزء : 1  صفحة : 51

في هذه العصور رغم اندماجه و تلاشيه في ثنايا البلاغة عامّة، و كتب البديع خاصّة، كما أنّ له الفضل في تقييم نتاج شعراء عصره بقيم نقديّة هي أقرب ما تكون إلى النقد الصحيح في عصر يكاد يخلو من النقاد ذوي الذوق السليم، فكان ابن حجّة ناقدا يتلاءم مع عصره و مع قيمة الأدب الذي ساد فيه. و يرى محمود الربداوي أن لا غرابة في أن يصل النقد في ذاك العصر إلى الدرجة التي وصل إليها، ذلك أنّ الشاعر هو نفسه الناقد، و الناقد هو الشاعر، و لا يسعنا إلاّ أن نقول للشاعر: «فيك الخصام و أنت الخصم و الحكم» [1] .

ح-شخصيّته و أقوال النّاس فيه:

لعلّ أوّل صفة تتميز بها شخصية ابن حجّة هي العصاميّة، إذ لم يكن ينحدر من أسرة عريقة، أو ذات منزلة في العلم و الأدب، بل كان كلّ ما فعله أبواه له أن علّماه القرآن الكريم، ثم دفعا به إلى العمل في مهنة الحرير و عقد الأزرار، إلاّ أن نفسه أبت عليه ذلك، و سمت إلى الاشتغال بالعلم و الأدب، فراح يثقّف نفسه بنفسه و يتردّد إلى أهل العلم و شيوخ الأدب، و يرحل من قطر إلى قطر، و يتعرّف على أرباب الأقلام و المثقفين كالقضاة و الكتّاب و الأدباء حتى حذق الأدب و ثقفه، كل ذلك بفضل عصاميّته التي أصبح بها جديرا بالاحترام و التقدير. و قد أكسبه تنقّله بين الأمصار صفة أخرى و هي أنه بات جوّاب الآفاق، يحبّ الرحلة من بلد إلى آخر، و يملّ الإقامة في مكان واحد مدّة طويلة، و قد دفعت به هذه الصفة إلى حبّ المغامرة، فعانى الاختفاء أكثر من مرّة في دمشق و حلب، و هرب مرّة من طرابلس إلى مصر، و تشدّد في التنكّر لخصومه حتى سدّدوا له نبالهم و أفحشوا فيه القول، إلاّ أنه لم يعبأ بهم.

و من أهمّ صفاته التي تؤخذ عليه أنّه كان معجبا بنفسه معتدّا بها فخورا بتفكيره، مزهوّا بشعره، و قد جرّه ذاك الإعجاب و هذا الفخر إلى الحظّ من قدر الآخرين و الازدراء بهم، سواء كانوا أحياء أو أمواتا، فصفيّ الدين الحليّ و شعره و إنشاؤه ليس بشي‌ء في نظره، و ابن الكويز ليس من الأعلام برأيه، و لعلّ ازدراءه بالآخرين يبلغ مداه عند ما يقرظ قصيدة لشاعر أو رسالة لأديب، أو حتّى بيتا واحدا من الشعر، أو صورة بديعة، أو نوعا من أنواع البديع ورد عند أحد الشعراء. و عند ما يصل إلى


[1] «ابن حجة الحموي شاعرا و ناقدا» ص 229.

اسم الکتاب : خزانة الأدب و غاية الإرب المؤلف : ابن حجة الحموي    الجزء : 1  صفحة : 51
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست