اسم الکتاب : خزانة الأدب و غاية الإرب المؤلف : ابن حجة الحموي الجزء : 1 صفحة : 286
بشرحها، زاهية بمضمونها، متلألئة بين صفحات هذا الشرح الذي قطفت من رياض الأدب أطيب ثماره، و أجمل أزهاره، حتى كادت البديعية ذاتها تغرق في خضمّ هذا البحر المليء بالجواهر و الدرر. فالإكثار من الشواهد إذا، منظومها و منثورها، و البحث عن كلّ ما يستجاد و يستملح منها، و البحث عن مواطن الجمال فيها، إنّما هو من خصائص المدرسة الأدبية، مع تعريف النوع البديعيّ بأقصر عبارة و أوضح أسلوب، و بهذا تكون هذه البديعية، إلى جانب غيرها، قد عادت بالبديع إلى رياض الأدب و أحضان المدرسة الأدبية، و خلّصته من قيود الفلسفة و المنطق و الأحكام العقليّة الجافّة التي سيطرت على البلاغة منذ بداية القرن السادس الهجريّ إلى زمن ظهور «البديعيات» و «شروحها» .
4-كشف اللّثام عن بعض وجوه البلاغة:
لقد كشف شرح البديعية عن وجوه بلاغية هامّة كالجناس و التورية و الاستخدام، فبيّن أهمية كلّ منهما في التركيب اللفظي و المعنويّ، كما بين تفاهة وجوه أخرى كالمراجعة و التخيير و غيرهما، و قد سبق الكلام على هذه. و قد دفع ابن حجّة اهتمامه بالتورية و الاستخدام إلى تأليف كتاب بلاغيّ خاصّ بهما سمّاه «كشف اللّثام عن وجه التورية و الاستخدام» ، بيّن فيه معالم المعركة المحتدمة بين أنصار اللفظ و أنصار المعنى، بل بين أنصار اللفظ المعنويّ، و أنصار اللفظ اللفظيّ، و بتعبير آخر: بين أصحاب التورية و الاستخدام و ما شابههما و أصحاب الجناس و الطباق و ما شابههما... ثم راح يقارن فيه بين أبيات في الجناس و أخرى في التورية، مرجّحا التورية على الجناس.
و من آرائه في الجناس: «و لم يجنح للجناس و لا يكثر استعماله إلاّ من قصرت همّته عن اختراع المعاني التي هي كالنجوم الزواهر في أفق الألفاظ، و إذا خلت بيوت الألفاظ من سكان المعاني تنزل منزلة الأطلال البالية» [1] .
و من آرائه في التورية ما نقله عن الإمام الزمخشريّ من قوله: «و لا نرى بابا في البيان أدقّ و لا ألطف من هذا الباب، يعني التورية، و لا أنفع و لا أعون على تعاطي تأويل المشتبهات من كلام اللّه تعالى و كلام نبيّه، (صلى اللّه عليه و سلم) ، و كلام الصحابة» [2] .