responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : خزانة الأدب و غاية الإرب المؤلف : ابن حجة الحموي    الجزء : 1  صفحة : 115

و طباق و مقابلة، بعضها يؤازر بعضا، فأطلق عليهم النقاد شعراء البديع، كما أطلقوا على أداتهم في التعبير اسم «البديع» ، و أصبحت السمة المميّزة لعصر التجديد الذي استهلّه بشار، و مسلم ابن الوليد، و أبو نواس، ثم أبو تمام، هي البديع، فتغيّر بذلك وجه الشعر تغيّرا كاملا، و غدا البديع من مميزات الشعر و حسناته و ليس من سيّئاته، و لا سيّما عند أصحاب مدرسة التجديد برئاسة أبي تمام، إذ كانت هذه المدرسة صاحبة مذهب في الشعر، فأفرطت في توشيته بالزخارف اللفظيّة و المحسنات البديعيّة، فخرجت عن مدرسة عمود الشعر التي يمثّلها البحتري، و أدّت إلى ظهور علم جديد هو علم البديع، و بهذا غدا الشعر عند العرب فنّا أو صناعة لها قوانينها التي تتحكّم في الشكل و الإطار الخارجيّ، لذلك كان اهتمام العرب بالجمال الشكليّ لا يقلّ عن اهتمامهم بالمضمون، فتحوّل مجرى الأدب العربيّ في عهد التجديد إلى زخارف لفظية خالية من كلّ معنى عميق أو إحساس صادق؛ إلاّ أنّ الشكل لم يكن دائما قليل الجدوى، فهو من خصائص الشعر، إذ إنّ الذي يميّز الفنّ عن غيره هو الشكل، فلو انهار الشكل، لم يعد الفنّ فنّا، فالمحسّنات البديعية إذا، لا تكون في يد الأديب الماهر مجرّد ألفاظ خاوية عقيمة من كل معنى، و إنّما تتحوّل على يديه إلى شي‌ء ذي قيمة عظيمة إذا أحسن استخدامها، و أتى بها لتؤدّي دورا في إفادة المعنى، فيزداد الأدب بها شرفا و فضيلة. و لعلّ النقاد في عصرنا الحديث قد زهدوا في البديع و هاجموا أصحابه لما انتهى إليه حال الشعر العربي قبل حركة البعث الحديثة على يد أحمد شوقي و حافظ إبراهيم و غيرهما ممن أنقذ الشعر العربي من تلك الهوّة السحيقة التي تردّى فيها منذ أواخر العصر العباسيّ إلى حركة البعث الحديثة [1] .

كما أنّ خروج البديع في تلك الفترة عن دائرته المرسومة له، و غلبة التكلّف عليه، أحاله إلى صنعة عقيمة لا يؤدّي دورا في المجال الأدبيّ بصفة عامة، و الفنّ الشعريّ بصفة خاصّة، بل أصاب الأدب العربي بتدهور لعدة قرون، فدمّر الذوق الأدبيّ، و غدا، من حيث لا يدري أصحابه، إلى عامل من عوامل القبح بعد أن كان من عوامل الجمال.

و مهما يكن، فإن البديع هو «أحد علوم الأدب الستّة، و ذلك أنّك إذا نظرت في


[1] فن البديع ص 31.

اسم الکتاب : خزانة الأدب و غاية الإرب المؤلف : ابن حجة الحموي    الجزء : 1  صفحة : 115
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست