responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : خزانة الأدب و غاية الإرب المؤلف : ابن حجة الحموي    الجزء : 1  صفحة : 114

من جهة، و بين الأدب من جهة أخرى، إذ هي تستمدّ كامل شواهدها منه، وصلتها به كصلة الأدب بالتاريخ الذي يسجّل طرق الحياة الأدبية، إذ إنّ الأدب هو مسرح لعناصر البلاغة، لا يمكنها أن تظهر إلاّ من خلاله. و من الجدير بالذكر أن البديع كأثر فنّي موجود في الأدب العربي منذ عرف للعرب أدب، ففي شعر الجاهليين و خطابتهم و أمثالهم و حكمهم و وصاياهم نماذج من فنون البديع مبثوثة في سطور آدابه، إلاّ أنّ هذه الألوان من البديع كانت تقع للشاعر أو الخطيب في أثناء نظمه للشعر أو تحبيره للخطبة عفوا دون قصد أو تقعّر، و لم يكن للبديع عنده عناية كبيرة أو صغيرة في تدبيج كلامه أو تنقيحه؛ أما في القرآن الكريم فقد كان الهدف مخاطبة عقول الأمة و التأثير في وعيها، فإن جاءت الصورة البديعية في ثناياه زادته خيرا على خير، و إن لم تأت لم تنقص من بلاغته شيئا، و لكن إذا اتّجهنا ببصرنا نحو أدب القرن الثالث الهجريّ وجدنا العناية بالبديع تصبح مقصودة لذاتها، و غدا الشاعر يقتنصها و يعنى بها أكثر من عنايته بالمعنى نفسه، و لهذا أخذ الأديب يتجه اتجاها لفظيّا أكثر من أن يتّجه اتّجاها معنويّا كما هو المقصود من رسالة الأدب، فتحوّل الأدب بذلك إلى فنّ يجمع فنون البديع بدلا من أن يكون البديع وسيلة غايته الأدب، و خير مثال على ذلك تلك القصائد المسمّاة بـ «البديعيات» و التي تدور في موضوعها الأساسي حول مديح الرسول، (صلى اللّه عليه و سلم) ، فقد تحوّلت في موضوعها هذا من المديح إلى فنّ استعراضيّ يشمل أنواع البديع ما حسن منه و ما قبح، اللفظيّ و المعنويّ، متّخذة من المديح النبويّ مطيّة و وسيلة إلى غاية لم تكن في الأصل مقصودة بذاتها.

و يتضح مما سبق أن البديع كأثر فنّيّ كان موجودا منذ وجد الأدب، و لكن وجوده كعلم للبديع فيه التعريفات و الحدود و التقسيمات و التفريعات تأخّر إلى ما بعد صدر الإسلام بقرون. و قد تنبّه الشعراء بصفة خاصّة إلى الأثر الذي يتركه هذا البديع فأولعوا به و استخدموه في أشعارهم باعتباره وسيلة للوصول إلى هذه الغاية، فقد استعمله بشار بن برد، و مسلم ابن الوليد، و ابن الروميّ، و البحتريّ، حتى أصبح غاية في ذاته على يد أبي تمام. و من هنا راح الشعراء يتفنّنون في صبغ أشعارهم بالصبغة البديعية، كما تفنّن الكتّاب في توشية عباراتهم بالزينة اللفظية، فكانت غايتهم أن يقولوا كلاما حسنا بديعا في أسلوب شائق جميل، يأتي عفوا بلا تكلّف، فاجتمعت لديهم صور بيانية من تشبيه و استعارة و كناية، إلى جانب محسّنات بديعيّة من جناس‌

اسم الکتاب : خزانة الأدب و غاية الإرب المؤلف : ابن حجة الحموي    الجزء : 1  صفحة : 114
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست