اسم الکتاب : خزانة الأدب و غاية الإرب المؤلف : ابن حجة الحموي الجزء : 1 صفحة : 113
و ما يؤكّد اتصال جمال المعنى بالبديع قول عبد القاهر الجرجانيّ، و هو يتّجه ببصره إلى المعنى أثناء تناوله التجنيس: فالقبيح من الجناس هو الذي لم يزدك على أن أسمعك حروفا مكررة، تروم لها فائدة فلا تجدها إلاّ مجهولة منكرة، و الحسن منه هو الذي يعيد عليك اللفظة كأنه يخدعك عن الفائدة و قد أعطاها، و يوهمك كأنّه لم يزدك و قد أحسن الزيادة و وفاها، و بهذا المعيار يعدّ التجنيس من حلى الشعر و مذكورا في أقسام البديع، ففضل التجنيس مرهون بنصرة المعنى، إذ لو كان باللفظ وحده لما كان فيه مستحسن و لما وجد فيه إلاّ معيب مستهجن [1] .
فالحسن و القبح في البديع ليس مردّه إلى اللفظ عند عبد القاهر، إذ إنّ الألفاظ ليس لها نصيب من الحسن، و إنّما العبرة بالمعنى الذي لا ينشأ إلاّ عن النظم أو الأسلوب، فلذلك يميّز بين تجنيس قبيح و تجنيس حسن. و كما ينكر عبد القاهر التكلّف في البديع و الولع به، فإنّه ينكر أن يتطلبه المعنى ثم نغفل عن ذكره، لأن المعنى هو الذي يقود إليه و يستشرف له، فإهماله في هذه الحالة شبيه بتكلّفه حين لا يدعو إليه المعنى، و إذا توافرت المحسّنات البديعية مع حسن النظم، يكون قد وقع الحسن من الجهتين، و وجبت له المزيّة بكلا الأمرين. و تراه يقول: «و على الجملة، فإنك لا تجد تجنيسا مقبولا، و لا سجعا حسنا، حتى يكون المعنى هو الذي طلبه و استدعاه و ساق نحوه، و حتى تجده لا تبتغي به بدلا، و لا تجد عنه حولا [2] .
فالبديع عند عبد القاهر إذا، لا يستقلّ باللفظ دون المعنى، و إنّما يذوب داخل النظم أو الأسلوب ليضيف إلى جماله جمالا، فيعمل عمل السحر في الكلام. فعلم البديع إذا، هو العلم الذي تعرف به المحسّنات الجمالية المعنويّة و اللفظيّة، التي لم تلحق بعلم المعاني و لا بعلم البيان. و المحسّنات الجمالية المعنوية منه: هي ما يشتمل عليه الكلام من زينة جمالية قد يكون بها أحيانا تحسين و تزيين في اللفظ أيضا، و المحسّنات الجمالية اللفظية منه: هي ما يشتمل عليه الكلام من زينة جمالية لفظية، قد يكون بها تحسين و تزيين في المعنى.
4-البديع بين الأدب و الفنّ:
لا شكّ أن الصلة متينة بين البلاغة بأقسامها الثلاثة: المعاني و البيان و البديع،