responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : خزانة الأدب و غاية الإرب المؤلف : ابن حجة الحموي    الجزء : 1  صفحة : 112

الكلمة و مثيلتها، أو الكلمة و ضدّها، إذ تلحظ الأضداد في الطباق و المقابلة كما تلحظ المماثلة في الجناس و المشاكلة في سياق سلس لا تنافر فيه و لا اضطراب؛ و هذا ما دفع العرب إلى الزهو و المباهاة بلغتهم في مواجهة الشعوبية، فرصدوا ألفاظهم و جمعوا أشعارهم، و قصروا الجمال في اللفظ و المعنى على كلامهم دون غيرهم، فهذا الجاحظ يقول: «و البديع مقصور على العرب، و من أجله فاقت لغتهم كل لغة و أربت على كلّ لسان» [1] .

و هذا ما يفسّر معنى الجمال بـ «البديع» ؛ فقد كان العربيّ يتذوّق جمال الألفاظ في لغته و تراكيبها، و يفتن بجمالها و سحرها، فكلّما حسن الكلام عنده و عذب، التصق بالأسماع و اتصل بالقلوب، و لا سيّما إذا ترجم المعنى الشريف بلفظ شريف، و عبر عنه بكلام سلس رشيق. و لهذا راح العربي يدقّق في اختيار ألفاظه و يتأنّق في تركيب عبارته، و يخلع عليها من الحسن ما يرفع من شأنها و يعلي من قدرها، فنراه يردّد النظر في الكلام بعد أن يفرغ منه، و يشرع في تهذيبه و تنقيحه، نظما كان أو نثرا، و ذلك في سبيل الوصول إلى أدب جميل لفظا و معنى؛ و هذا ما كان يفعله زهير بن أبي سلمى في العصر الجاهلي، و الفرزدق في العصر الأمويّ، ليكون الكلام آخذا بعضه بأعناق بعض متلاحما سليما مستحسنا متّسقا. فالبديع إذا، ليس ترفا في الأسلوب الأدبيّ أو حلية بمثابة الفضول يستغنى عنها، حتى يكون تابعا لعلمي البيان و المعاني، بل هو في مقدّمتهما يقوم بدوره في أداء المعنى و تحسينه من خلال اللفظ الحسن، فيقف جنبا إلى جنب مع الصور البيانيّة و المعاني؛ و هذا ما جعل البعض يطلق عليه و على أنواعه اسم المحسّنات، مقسّما بعضها إلى محسّنات معنويّة و بعضها الآخر إلى محسّنات لفظيّة.

و في القرآن الكريم كثير من أنواع البديع: كالجناس، و الطباق، و المقابلة، و الطيّ و النشر، و العكس و التبديل، و غيرها من الأنواع البديعية التي لم تكن فضولا من القول، و لم تأت لمجرد الزينة، و إنّما دعاها المعنى دون غيرها من الألفاظ ليكون له جلاء و بيان و فضل و تأثير. و لهذا كان للبديع دور كبير في تجميل المعنى بالقدر الذي يكون به اللفظ جميلا مستحسنا.


[1] البيان و التبيين 4/56.

غ

اسم الکتاب : خزانة الأدب و غاية الإرب المؤلف : ابن حجة الحموي    الجزء : 1  صفحة : 112
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست