responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : خزانة الأدب و غاية الإرب المؤلف : ابن حجة الحموي    الجزء : 1  صفحة : 109

2-موقف النقّاد من البديع:

وقف النّقّاد من البديع و أهله موقفين متباينين: موقف علماء انداح زمنهم من القرن الخامس الهجريّ إلى القرن الرابع عشر، أحبّوا البديع و ألوانه، و لا سيّما ما احتوى صورة مبتكرة، و نمّ عن رشاقة، و توشّح بأسلوب عذب رفيع، فإنه كان يخلب ألبابهم و يسلب عقولهم، سواء جاء بصورة جناس أو تورية أو غير ذلك، فالفنون البديعية جميعها عندهم سواء طالما كانت تملك مسحة من الجمال، أمّا إذا وجدوا فيها شيئا من التكلّف فكانوا لا يعبئون بها.

أمّا الموقف الثاني فهو موقف معظم النقّاد المعاصرين، فقد وقفوا موقفا متشنّجا من البديع و أهله و عصره و أدبه شعره و نثره، إذ إنهم رفضوا كلّ ما جاء به العصران المملوكيّ و العثماني و أواخر العصر العباسيّ قبلهما، دون أن يفرّقوا بين الفنون البديعية، و بين الشعراء، و بين الإنتاج الأدبيّ، و بين من نجح في ذلك و من أخفق، و بين ما جاء عفوا و ما جاء متكلّفا [1] ، ذلك لأنّ كثرة الإفراط في البديع في تلك الفترة خلقت في صفوف هؤلاء ضجّة كبيرة و في نفوسهم اشمئزازا عظيما، حتى غدت كثرة الإفراط في البديع مشكلة مطروحة على طاولة النقد منذ عهد ابن المعتز، إذ كثر الإفراط فيه على يد بشّار و مسلم بن الوليد و أبي نواس و من سلك مسلكهم؛ و لعلّ ابن المعتز هو أوّل من نبّه إلى هذه المشكلة بانتقاده لأبي تمام إذ قال: «ثمّ إن حبيب ابن أوس الطائيّ من بعدهم شغف به حتى غلب عليه و تفرّع فيه و أكثر منه فأحسن في بعض ذلك و أساء في بعض، و تلك عقبى الإفراط و ثمرة الإسراف» [2] . و يرى ابن المعتزّ أن لا مانع من أن يقول الشاعر في قصيدته البيت و البيتين من هذا الفنّ، و كان يستحسن ذلك منه إذا أتى نادرا و يزداد حظوة بين الكلام المرسل‌ [3] . ثمّ صار أبو تمام حديث الناس، و رماه النقاد بإفساد الشعر، فقال الآمدي: «إنّ أوّل من أفسد الشعر مسلم بن الوليد، و إن أبا تمام تبعه فسلك في البديع مذهبه فتحيّر فيه» ، و قيل عن شعره بأن ثلثه كان إغراقا في طول طلب الطباق و التجنيس و الاستعارات، و إسرافا في التماس هذه الأبواب و توشيح شعره بها حتى صار كثيرا ممّا أتى به من المعاني لا


[1] انظر البلاغة العربية في ثوبها الجديد ص 6.

[2] كتاب البديع ص 1؛ و نظم الدر و العقيان ص 55-56.

[3] كتاب البديع ص 1؛ و نظم الدر و العقيان ص 56.

اسم الکتاب : خزانة الأدب و غاية الإرب المؤلف : ابن حجة الحموي    الجزء : 1  صفحة : 109
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست