الأول: إن الأصل في الأشياء الحل حتى يثبت التحريم، و لم يثبت.
الثاني: قوله تعالى وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعٰامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ[2]، و الطعام يشمل اللحم و غيره، و لذا فسره أهل اللغة كالجوهري و غيره مما يؤكل [3]، و حمله في الآية على الحبوب و الفواكه و نحوهما مما لا يحتاج إلى التذكية يدفعه الإضافة إلى أهل الكتاب، إذ حبوب جميع أصناف الكفار و فواكههم حلال، فالتخصيص لأهل الكتاب لا وجه له، فالآية قاطعة بجواز أكل ذبائحهم، و أما التنافي بينهما و بين قوله تعالى وَ لٰا تَأْكُلُوا مِمّٰا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ[4] فيمكن دفعه بوجهين:
الأول: أن يحمل الموصول على الميتة، كما رواه ابن حاتم عن ابن عباس [5]، و يدل عليه أيضا قوله تعالى في هذه الآية:
[1] يراجع الفقه على المذاهب الأربعة ج 2 ص 21- 23 كتاب الحظر و الإباحة.
[3] تاج العروس من جواهر القاموس للزبيدي. المجلد الثامن ص 378. و المؤلف هو محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق الحسيني الزبيدي (1145- 1205 ه)، لغوي، نحوي، محدث، أصولي، أديب، ناظم ناثر، مؤرخ، نسابة، مشارك في عدة علوم. أصله من واسط في العراق، و مولده في بلجرام في الشمال الغربي من الهند، و منشأه في زبيد باليمن. رحل إلى الحجاز، و أقام بمصر، فاشتهر فضله، و توفي بالطاعون في مصر في شعبان. من تصانيفه الكثيرة: تاج العروس في شرح القاموس في عشر مجلدات، الروض المعطار في نسب السادة آل جعفر الطيار، و غير ذلك (معجم المؤلفين ج 11 ص 282).
[5] ذكر السيوطي: «اخرج الطبراني و غيره عن ابن عباس قال: لما نزلت- و لا تأكلوا مما لم يذكر اسم اللّٰه عليه- أرسلت فارس إلى قريش أن خاصموا محمدا فقولوا له:
ما تذبح أنت بيدك بسكين فهو حلال، و ما ذبح اللّٰه بشمشار من ذهب، يعني الميتة فهو حرام، فنزلت هذه الآية- وَ إِنَّ الشَّيٰاطِينَ لَيُوحُونَ إِلىٰ أَوْلِيٰائِهِمْ لِيُجٰادِلُوكُمْ- قال الشياطين فارس و أولياؤهم قريش (لباب النقول ص 102).
و في تفسير ابن عباس قال وَ لٰا تَأْكُلُوا مِمّٰا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّٰهِ عَلَيْهِ من الذبائح عمدا وَ إِنَّهُ لَفِسْقٌ يعني أكله له بغير الضرورة معصية و استحلاله على إنكار التنزيل كفر وَ إِنَّ الشَّيٰاطِينَ لَيُوحُونَ إِلىٰ أَوْلِيٰائِهِمْ يوسوسون أوليائهم أبا الأحوص و أصحابه لِيُجٰادِلُوكُمْ يخاصموكم في أكل الميتة و الشرك و أن الملائكة بنات اللّٰه وَ إِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ في الشرك و أكل الميتة فاحللتموها غير مضطرين إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ مثلهم (تنوير المقباس ص 94).
اسم الکتاب : حرمة ذبائح أهل الكتاب المؤلف : الشيخ البهائي الجزء : 1 صفحة : 66