الوجه الثالث، و هو الوجه لأنّه بعد العلم بكون الضروري من الدين يرجع إنكاره إلى إنكار الدين لا محالة فيحكم بكفر المنكر لذلك، و اختار صاحب الجواهر الوجه الثاني لوجوه لفّقها دليلا لقول المشهور كدعوى ظهور الإجماع و الأخبار المتفرقة في الأبواب الواردة في بعض مصاديق العنوان الظاهرة في الإطلاق، و دعوى أنّ إنكار الضروري و لو مع عدم حصول العلم بأنّه من الدين بمنزلة الإنكار القولي مع صحة الاعتقاد بالمعارف الواجبة فإنّه موجب للكفر و غيرها.
و في الكل نظر، أما الإجماع فلأنّه لا يبعد أن يكون كلام المجمعين كلا أو بعضا ناظرا إلى ما هو الغالب من أنّ منكر الضروري عالم به أيضا، و كذا ظاهر الأخبار المتفرقة أيضا ذلك، و أما كون الإنكار المذكور بمنزلة الإنكار القولي مع صحة الاعتقاد ففيه منع الصغرى و إن كانت الكبرى مسلمة، لأنّ إنكار المنكر في صورة عدم علمه بالضروري يرجع إلى إنكار صدور هذا الحكم من النبي (صلّى اللّه عليه و آله) فلا يرجع إلى إنكار الدين و لا وجه للحكم بكفره سوى ذلك، هذا كله في إنكار ضروري الدين و الإسلام.
و أما إنكار ضروري مذهب الشيعة المحقة، فإن كان المنكر من غير الفرقة المحقة كفرق العامة و سائر فرق الشيعة مثل الزيدية و الكيسانية و نحوهم فلا يوجب إنكاره كفرا البتّة، و إن كان من الفرقة المحقة، فإن أنكر مع العلم بأنّه من الدين لأجل الضرورة أو غيرها فلا ريب في كفره لرجوعه إلى إنكار الدين، و إن أنكره لا مع العلم لشبهة أو جهل فالظاهر كفره أيضا لظاهر بعض الأخبار الحاكم بكفره إلّا أن يتوب، و يفهم منه أنه بعد التوبة يحكم بإسلامه ظاهرا و باطنا، فلو كان فطريا لا يحكم عليه بأحكام المرتد الفطري من وجوب قتله مطلقا و نجاسته و بينونة زوجته و خروجه من أمواله و يرثها وارثه إلى غير ذلك، بل حاله حال المرتد الملي و المرأة في الجملة لا مطلقا أيضا، فتأمل.