نظر الاخباريين سقوط الدليل العقلي بحسب عالم الاستكشاف. و هذا الاساس النظري للشبهة لا يختلف الحال بالنسبة اليه بين ان نسلم بوقوع الخطأ في القوة الواحدة الدرّاكة من قوى النفس، و بين أن نذهب في تفسير وقوع الخطأ مذهب القائلين بأن مرد الخطأ في التحليل النهائي الى التلفيق.
ذلك ان النفس هي مرتكز لعدة قوى درّاكة، و كل قوة درّاكة اذا لوحظت احكامها الصادرة منها مباشرة وجد أنها سليمة من الخطأ، و لكن حيث ان النفس هي نقطة التقاء تلك القوى و مركز تجمعها، بحيث ان احكام تلك القوى تكون في الحقيقة احكاماً للنفس، و قد تلفق النفس بين موضوع حكم قوة و محمول حكم قوة أخرى، و ينتج الخطأ بسبب عملية التلفيق هذه، بحيث لو لوحظ الموضوع في موضعه الأصلي، و بوصفه موضوعاً لحكم قوة دراكة معينة، و لوحظ المحمول في موضعه الأصلي ايضاً، و بوصفه محمولًا في قضية مدركة لقوة اخرى من قوى النفس الدراكة لزال الخطأ و الالتباس، و لانتهينا الى حكمين صادقين كل منهما بتوسط قوة خاصة.
ان هذه الطريقة في تفسير وقوع الخطأ في المعارف البشرية و هذا التفسير النظري لا يؤثر على الموقف شيئا حتى و لو كان صحيحاً، لأن الخطأ على أي حال واقع و كثير، سواء كان مرده إلى القوى أو النفس بعملية التلفيق بين موضوعات تلك القوى و محمولاتها، و ما دمنا نعترف بالخطإ و كثرته فالشبهة قائمة، فكون الخطأ نابعاً من عملية التلفيق ينفع في تفسير هذه الظاهرة، لا في كيفية الاحتراز عنها، أو في اعطاء الدليل العقلي القيمة الكاملة في عالم الاستكشاف.
و حين نلاحظ الموقفين المختلفين للمحدثين و لاصحابنا الاصوليين نجد ان هذه الشبهة قد ردت على اساس الاعتماد على المنطق بوصفه القانون العاصم لحركة الفكر من المطالب الى المبادئ، و عودها تارة اخرى من المبادئ الى المطالب، و الدليل العقلي يستمد اعتباره في عالم الاستكشاف من ذلك القانون الذي به يمكن التحرز عن الوقوع في الخطأ، فالتفكير العقلي بصورة منفصلة عن قوانين حركة الفكر يمكن ان يتعرض للخطإ، و أما حين يعتصم بهذه القوانين فيكون في منجاة من