فان المدعى في مدارس الفلسفة المادية هو التفصيل بين العقل النظري المجرد و العقل النظري التجريبي، بدعوى ان اساس المعرفة البشرية هو الحس و التجربة، فكل معرفة عقلية منفصلة عن الحس و التجربة لا قيمة لها، و انما هي انشاء صرف من قبل النفس، و إنما القيمة المنطقية هي للعقل النظري القائم على أساس الحس و التجربة، و بهذا كان هؤلاء يؤمنون بمبادئ العقل النظري البديهية و الاولية و بما يستنبط منها من مبادئ في الحدود التي يزعمون استخراجها من الحس و التجربة.
و أما الاخباريون فهم يرفضون العقل النظري بصورة مطلقة، من دون تمييز بين المجرد منه و التجريبي، لأنهم لا يجوزون التعويل على غير الأدلة اللفظية الموروثة عن الحجج، (عليهم السلام)، فلا يفرقون مثلا بين العقل النظري المجرد الذي يحكم بالملازمة بين وجوب الشيء و وجوب مقدمته ببرهان الخلف، و بين العقل النظري التجريبي القائم على اساس التجربة و الملاحظة و الاختبار.
فهناك فرق اساسي بين المدعيين، لأن احدهما يرجع الى التفصيل في العقل النظري، و الآخر و هو مدعى الاخباريين يرجع الى انكار العقل النظري مطلقا؛ و لهذا كان مدعى الاخباريين أشبه بمذاهب الشك في الفلسفة، أو باتجاهات السفسطة التي تنكر العقل النظري، و تسلب قيمته المنطقية بشكل مطلق.
و الكلام حول شبهة الاخباريين تقع تارة بلحاظ العقل النظري، و اخرى بلحاظ العقل العملي.
أما باللحاظ الأول: فيرد عليهم اولًا: النقض بالقضايا العقلية التي تبرهن على مبادئ الكتاب و السنة، فانها تنتسب الى نفس النوع الذي تنتسب اليه القضايا العقلية التي هي موضوع البحث، فاذا سلب من العقل النظري حجيته المنطقية سقطت قيمة تلك القضايا، و بذلك انسد باب اثبات مبادئ الكتاب و السنة التي ينحصر اثباتها عن طريق العقل؛ لامتناع الاستدلال عليها بنفسها.
و يرد عليهم النقض ثانيا: بأن لازم ما قالوه عدم امكان اثبات نفس وجود الدليل اللفظي الذي حصر به الاستنباط؛ لأن الدليل اللفظي بالنسبة الينا إما متواتر،