الآية و بناءً على هذا الاحتمال أيضاً تبقى في مقام التعليل، فلا فرق بين هذا الاحتمال و الاحتمال الأوّل، و لكن السؤال: ما هو وجه التعليل في هذا الاحتمال؟ التعليل هنا لبيان العلّة في وجوب الوضوء، أي للجواب على هذا السّؤال و هو: لما ذا إذا قمتم إلى الصلاة عليكم أن تغسلوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ؟
و لما ذا إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا؟ و ما هي العلّة في أنّكم لو كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ و لم تجدوا ماءً عليكم أن تيمّموا صَعِيداً طَيِّباً؟ ففي جميع هذه الموارد يأتي التعليل في خصوص الجانب الإثباتي للحكم. و لنا أن نتساءل هنا كيف يمكن للتعليل أن يكون في الجانب الإثباتي للحكم؟ و الجواب: أنّ اللَّه تبارك و تعالى يريد أنّ يبيّن أن ما ألزمكم به عند الصلاة من الوضوء أو الغسل أو التيمّم، فلا اريد بذلك أن أشقّ عليكم أو أثقل كاهلكم، إنّما أقصد بذلك هدفاً أسمى و أعلى. و هذا الهدف الذي أبتغيه يخصّكم أنتم، و يعود عليكم بالمنفعة، و هو تطهيركم، أي اريد بذلك أن تحصلوا على طهارة النفس و طهارة البدن أيضاً. بناءً على ذلك و لتحقيق هذا الهدف السامي هل يعتبر الوضوء أمراً حرجيّاً؟ و هل يعدّ الغسل عملًا صعباً؟ و هل التيمّم شاقاً؟ و مثال ذلك، أن يقول الأب لابنه: يا بنيّ إنّما أوجب عليك الذهاب إلى المدرسة صبيحة كلّ يوم، لا لكي أشقّ عليك، أو أزيد في عنائك، بل أريد بذلك أن تتعلّم و تحصل على مكانة علمية سامية في المجتمع. إذن، إذا قلنا بأنّ الآية: ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ تتعلّق بالأحكام الثلاثة، و بالجانب الإثباتي لهذه الأحكام، أي أنّ اللَّه سبحانه و تعالى أراد أن يقول:
إنّي ما أوجبت الوضوء و لا التيمّم و لا الغسل لكي أشقّ عليكم، أو أجعلكم في حرج، و إنّما أردت أن أطهّركم، و هذا المعنى يتطابق مع تعبيراتنا العرفيّة الشائعة، و لكنّه خارج عن إطار بحثنا، و لا علاقة له بقاعدة نفي الحرج، و السبب في ذلك هو