حيث يتلقّى أب و نبيّ أمراً من اللَّه تبارك و تعالى أن يذبح ابنه بيده، ذلك الابن الذي رزقه اللَّه إيّاه في أواخر عمره. و الآن لننظر إلى إسماعيل في غضون تلك الحادثة حيث يعمل مساعداً لإبراهيم في بناء الكعبة، فيحتمل أن يكون عمر إسماعيل في ذلك الوقت خمس و عشرين سنة إلى ثلاثين سنة، و بالطبع فإنّ إبراهيم (عليه السلام) في ذلك الوقت كان حائزاً لمقام النبوّة، و باعتقادي أنّه كان حائزاً على مقام الإمامة أيضاً، و مع ذلك نراه يقول داعياً: رَبَّنا وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ، و هذا تحصيل حاصل بالنسبة لإبراهيم، و مع ذلك نجده (عليه السلام) يطلب شيئاً محصّلًا، أو أنّه يطلب ديمومة ما كان حاصلًا، و هذا يشبه ما نقول نحن في الصلاة: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. و يشبه الطريقة التي نوجّه بها هذا الدعاء لأنفسنا و نفسّره. فهنا نبحث في الآية الكريمة: وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ فظاهر الآية أن المقام الذي كان الأب و الابن يدعوان اللَّه سبحانه تعالى للوصول إليه، مقام رفيع جدّاً، تتوفّر فيه جهتان و خصيصتان: أحدهما: في قوله- مسلمين- أي التسليم المطلق بدون أيّ قيد مهما صغر، و بدون أيّ تعليق و لو مختصر. الثانية: إنّ الجهة التي نسلّم إليها هي مُسْلِمَيْنِ لَكَ، و هذا مقام رفيع جدّاً، و هو المقام الذي يكون فيه الإنسان أمام اللَّه تعالى في حالة من التسليم المحض، لا في مقام العمل فقط، و إنّما في مقام الاعتقاد، و في مقام الفكر. لأنّنا قد نرى مسلماً يعيش حالة التسليم في مقام العمل، لكنّه في مقام الاعتقاد قد يحمل بعض الأفكار غير السليمة، فقد يذهب هذا الشخص إلى مكّة و هو يعيش حالة التسليم و الامتثال، و لكن قد تخطر في باله بعض الأفكار من قبيل أن يقول لنفسه: أ ليس من الأفضل أن تبنى هذه الكعبة على سفوح الجبال الخضراء ذات الحدائق،