يستدعى سقوط احدهما عن الاعتبار و بقاء الآخر على اعتباره بلا تعيين و امتياز فى الباقى منهما عن الساقط.
و فيه ان بقاء الباقى بلا خصوصية مستحيل عقلا ضرورة ان الشىء ما لم يتشخص لم يوجد فوجوده الخارجى يستلزم التشخص الخارجى عقلا.
نعم يمكن ملاحظة الشىء بلا خصوصية فى عالم الذهن فمن ثم كان الذهن اوسع ساحة من الخارج يرتسم فيه الكليات و الجزئيات، بخلاف الخارج فانه لا يكون إلّا ظرفا للجزئيات خاصة دون الكليات.
و من ذلك يظهر لك بطلان النقض على ما ذكرناه بالحجّتين المتعارضين على مختار الماتن قده فى غير هذا المقام حيث بنى فيهما على اعتبار احدهما بلا تعيين فى نفى احتمال الثالث الخارج عن مفاد الحجتين بالمعنى المطابقى، اذ فيه او لا ضعف المبنى على ما هو التحقيق عندنا فان انتفاء الاحتمال الثالث يستند الى مجموع الحجتين لا الى احدهما، فان مانع التعارض انما يصادم اعتبار المدلول المطابقى دون الالتزامى، فيبقى المدلول الالتزامى فى كل منهما بحاله معتبرا لا يسوغ رفع اليد عنه، فلو ورد مثلا دليل معتبر دل بمدلوله المطابقى على ان الجائى ليس إلّا زيد لا غيره، و ورد فى قباله دليل آخر معتبر مثله دل بمدلوله المطابقى ان الجائى عمرو لا غيره، فتعارض الدليلان بالنسبة الى مجيء زيد و عمرو الذى هو مدلول المطابقى لهما، فسقطا عن الاعتبار بالنسبة الى هذه الدلالة المطابقية، و تبقى الدلالة الالتزامية المستفادة منهما على نفى مجيء بكر بحالها معتبرة فيحكم بمقتضاها من الحكم بعدم مجىء بكر، اذ لا تعارض بينهما بالنسبة الى هذه الدلالة الالتزامية مشمولة لادلة اعتبار الدلالات بلا معارض لها فى البين.