اسم الکتاب : تاج العروس من جواهر القاموس المؤلف : المرتضى الزبيدي الجزء : 20 صفحة : 402
و قال أَبو عبيدَةَ: إنَّ غَيْر في قولهِ تعالى: غَيْرِ اَلْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ، بمعْنَى سِوَى. و إنَّ لا في وَ لاَ اَلضََّالِّينَ صِلَةٌ، و احْتَجَّ بقولِ العجَّاج هذا.
قال الفرَّاء: و هذا جائِزٌ لأنَّ المَعْنى وقَعَ فيمَا لا يتبيَّن فيه عَمَلَه، فهو جَحْدٌ محْضٌ لأنَّه أَرادَ في بئْرِ ماء [1] لا يُحِيرُ عليه شيئاً، كأَنَّك قلْتَ إلى غَيْر رُشْدٍ توَجَّه [2] و ما يَدْرِي؛ قالَ: و غَيْر في الآيةِ بمعْنَى لا، و لذلكَ زِدْتَ عليها كما تقول فلانٌ غيرُ مُحْسِنٍ و لا مُجْمِلٍ، فإذا كانت غَيْر بمعْنَى سِوَى لم يجزْ أَن يكُرَّ عليه، أَلا تَرَى أنَّه لا يَجوزُ أَن يقولَ: عِنْدِي سِوَى عبدِ اللََّه و لا زيدٍ؟.
و رَوَى ثَعْلَب أَنَّه سَمِعَ ابنَ الأعْرابي يقولُ في قولِ العجَّاج: أَرادَ حُؤُورٍ أَي رُجُوع، المَعْنى أنَّه وَقَعَ في بئْرِ هَلَكةٍ لا رجُوعَ فيها و ما شَعَرَ بذلكَ.
و قولهُ تعالى: وَ لاََ تَسْتَوِي اَلْحَسَنَةُ وَ لاَ اَلسَّيِّئَةُ[3] ؛ قالَ المبرِّدُ: لا صِلَةٌ، أَي و السَّيِّئَة؛ و قولُ الشاعرِ أَنْشَدَه الفرَّاء:
ما كان يَرْضَى رسولُ اللََّه دِينَهُمُ # و الأطْيَبانِ أَبو بَكْرٍ و لا عُمَرُ [4]
قالَ: أَرادَ و عُمَر، و لا صِلَةٌ، و قد اتَّصَلَتْ بجَحْدٍ قَبْلها؛ و أنْشَدَ أَبو عبيدَةَ للشمَّاخ:
أعايش ما لأَهْلِك لا أَرَاهُمُ # يُضَيّعونَ الهِجَانَ مع المضيّعِ
قال: لا صِلَةٌ، و المَعْنى أَراهُم يُضَيِّعُونَ السّوامَ، و قد غَلَّطُوه في ذلِكَ لأنَّه ظَنَّ أنَّه أَنْكَر عليهم فَسادَ المالِ، و ليسَ الأَمْرُ كما ظَنَّ لأنَّ امْرأَتَه قالتْ له: لمَ تُشدِّدُ على نَفْسِك في العَيْشِ و تُكْرِم الإِبِلَ؟فقالَ لها: ما لي أَرَى أَهْلَكِ يَتَعهَّدُونَ أَمْوالَهم و لا يُضَيِّعُونَها و أَنْتِ تَأْمُرِيني بإضاعَةِ المالِ؟. و قال أَبو عبيدٍ: أَنْشَدَ الأصْمعي لساعِدَةَ الهُذَلي:
و قال الأزْهري: و هذا يُخالِفُ ما قالَهُ الفرَّاءُ: إنَّ لا لا تكونُ صِلَةً إلاَّ مع حَرْفِ نَفْي تقدَّمه.
*و ممَّا يُسْتدركُ عليه:
قد تَأْتي لا جَواباً للاسْتِفْهامِ، يقالُ: هل قامَ زَيْدٌ؟ فيقال: لا .
و تكونُ عاطِفَةً بعْدَ الأمْرِ و الدُّعاءِ، نحو: أَكْرِمْ زَيْداً لا عَمْراً، و اللّهُمَّ اغْفِرْ لزَيْدٍ لا عَمْرو، و لا يَجوزُ ظُهورُ فِعْلٍ ماضٍ بَعْدَها لئَلاَّ يلتبسُ بالدُّعاء، فلا يقالُ: قامَ زَيْدٌ لا قامَ عَمْرو.
و تكونُ عِوَضاً مِن حَرْفِ البَيانِ و القصَّة و مِن إحْدَى النُّونَيْن في أَنَّ إذا خُفّف نحو قوله تعالى: أَ فَلاََ يَرَوْنَ أَلاََّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ [7] قَوْلاً .
و تكونُ للدُّعاءِ نحو: لا سلم: و منه وَ لاََ تَحْمِلْ عَلَيْنََا إِصْراً[8] ؛ و تَجْزمُ الفِعْلَ في الدُّعاءِ جَزْمه في النَّهْي.
و تكونُ مهيئةً نحو: لَوْلا زَيْد لكانَ كذا، لأنَّ لو كانتْ تَلِي الفِعْل فلمَّا دَخَلَتْ لا معها غَيَّرَتْ مَعْناها و وليت الاسم.
و تَجِيءُ بمعْنَى غَيْر، كقوله تعالى: مََا لَكُمْ لاََ تَنََاصَرُونَ[9] ، فإنَّه في مَوْضِع نَصْبٍ على الحالِ، المَعْنى ما لَكُم غَيْر مُتناصِرِينَ، قالَهُ الزجَّاج.
و قد تُزادُ فيها التاءُ فيُقالُ ليت لاتَ ، و قد مَرَّ للمصنِّفِ في التَّاءِ.