responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تاج العروس من جواهر القاموس المؤلف : المرتضى الزبيدي    الجزء : 20  صفحة : 401

قُلْتُ: يبعدُ هذا الظَّنَّ على المصنِّفِ و كأنَّه أَرادَ التَّفَنّنَ في التَّعْبيرِ.

و في الصِّحاح: و قد تكونُ للنَّهْي كقولك: لا تَقُمْ و لا يَقُمْ زَيْد، يُنْهى به كلُّ مَنْهيِّ مِن غائِبٍ و حاضِرٍ.

و تَخْتَصُّ بالدُّخولِ على المُضارعِ و تَقْتَضِي جَزْمَهُ و اسْتِقْبالَه‌ نحو: قوله تعالى: لاََ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِيََاءَ [1] قال صاحِبُ المِصْباح: لا تكونُ للنَّهْي على مُقَابلةِ الأمْرِ لأنَّه يقالُ اضْرِبْ زَيْداً، فتقولُ: لا تَضْرِبْه، و يقالُ اضْرِبْ زَيْداً و عَمْراً، فتقولُ: لا تَضْرِبْ زَيْداً و لا عَمْراً بتَكْرِيرِها لأنَّه جوابٌ عن اثْنَيْن فكَانَ مُطابقاً لمَا بُني عليه مِن حكْمِ الكَلامِ السابِقِ، فإنَّ قَوْلك اضْرِبْ زَيْداً و عَمْراً جُمْلتانِ في الأصْلِ، قال ابنُ السَّراج: لَوْ قُلْت لا تَضْرِبْ زَيْداً و عَمْراً لم يَكُنْ هذا نَهْياً عن الاثْنَيْن على الحَقِيقَةِ لأنَّه لَو ضُرِبَ أَحدُهما لم يكُنْ مُخالِفاً، لأنَّ النَّهْيَ لا يَشْملُهما، فإذا أَرَدْتَ الانْتهاءَ عنهما جمِيعاً فنَهْيُ ذلكَ لا تَضْرِبْ زَيْداً و لا عَمْراً فمَجِيئها هنا لانْتِظامِ النَّهْي بأَسْرِه و خُرُوجها إخْلال به، انتَهَى.

قال صاحِبُ المِصْباح: و وَجْهُ ذلكَ أنَّ الأصْلَ لا تَضْرِبْ زَيْداً و لا تَضْرِبْ عَمْراً لكنَّهم حذَفُوا الفِعْلَ الثاني اتِّساعاً لدَلالَةِ المعْنى عليه، لأنَّ لا النَّاهية لا تَدْخُلُ إلاَّ على فِعْلٍ، فالجُمْلةُ الثانِيَةُ مُسْتقلةٌ بنَفْسِها مَقْصودَةٌ بالنَّهْي كالجُمْلةِ الأُولى، و قد يَظْهَرُ الفِعْل و تُحْذَفُ لا لفَهْم المَعْنى أَيْضاً نحو: لا تَضْرِبْ زَيْداً و تَشْتم عَمْراً، و منه:

لا تأْكُلِ السَّمَك و تَشْرَب اللَّبَنَ، أَي لا تَفْعَل واحِداً منهما؛ و هذا بخِلافِ لا تَضْربْ زَيْداً و عَمْراً حيثُ كانَ الظاهِرُ أَنَّ النَّهْي لا يَشْملُهما لجَوازِ إرادَةِ الجَمْعِ بَيْنهما، و بالجُمْلةِ فالْفَرْقُ غامِضٌ و هو أنَّ العامِلَ في لا تأْكُلِ السَّمك و تَشْرب اللّبن مُتَعينٌ و هو لا، و قد يجوز حَذْف العامِلِ لقَرِينَةٍ، و العامِلُ في لا تَضْرِب زَيْداً و عَمْراً غَيْرُ مُتَعّين إذ يَجوزُ أَنْ تكونَ الواو بمعْنَى مع فوجَب إثْبات لا رفْعاً للَّبْسِ؛ و قال بعضُ المُتَأخِّرين: يجوزُ في الشِّعْر لا تَضْرِبْ زَيْداً و عَمْراً على إرادَةِ و لا عَمْراً؛ قالَ: و تكونُ‌لنَفْي الفِعْل‌ [2] ، فإذا دَخَلَتْ على المُسْتَقْبل عَمَّتْ جَمِيعَ الأزْمِنَةِ إلاَّ إذا خصَّ بقَيْدٍ و نَحْوِه، نحو: و اللََّه لا أَقُومُ، و إذا دَخَلَتْ على الماضِي نحو: و اللََّه لا قُمْت، قَلَبَتْ مَعْناه إلى الاسْتِقْبالِ و صارَ مَعْناه و اللََّه لا أَقُومُ فإنْ أُريدَ الماضِي قيلَ و اللََّه ما قُمْت، و هذا كما تَقْلِبُ لم مَعْنى المُسْتَقْبل إلى الماضِي نحو: لم أقُمْ، و المَعْنى ما قُمْت.

و الخامس: أن‌ تكونَ زائِدَةً للتَّأْكِيدِ، كقوله تعالى:

مََا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا ` أَلاََّ تَتَّبِعَنِ‌ [3] ، أَي أن تَتَّبِعَني و قال الفرَّاء: العَرَبُ تقولُ لا صِلَة في كلِّ كَلامٍ دَخَلَ في أَوَّله جَحْدٌ أَو في آخرهِ جَحْدٌ غَيْر مُصَرَّح، فالجَحْدُ السابقُ الذي لم يُصَرَّح به كقَوْلهِ تعالى: مََا مَنَعَكَ أَلاََّ تَسْجُدَ [4] ، أَي أنْ تَسْجُدَ.

و قال السّهيلي: أَي من السُّجودِ إذ لو كانتْ غَيْر زائِدَةٍ لكانَ التَّقْديرُ ما مَنَعَك مِن عَدَمِ السُّجودِ فيَقْتَضِي أنَّه سَجَدوا لأَمْرٍ بخِلافِه؛ و قوله تعالى: وَ مََا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهََا إِذََا جََاءَتْ لاََ يُؤْمِنُونَ [5] ، أَي يُؤْمِنُون.

و مِثالُ ما دَخَلَ الجَحْدُ آخِرَه قوله تعالى: لِئَلاََّ يَعْلَمَ أَهْلُ اَلْكِتََابِ‌ أَلاََّ يَقْدِرُونَ عَلى‌ََ شَيْ‌ءٍ مِنْ فَضْلِ‌ [6] اَللََّهِ قالَ: و أَمَّا قولهُ، عزَّ و جلَّ: وَ حَرََامٌ عَلى‌ََ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنََاهََا أَنَّهُمْ لاََ يَرْجِعُونَ [7] ؛ فلأَنَّ في الحَرامِ مَعْنى جَحْدٍ و مَنْعٍ؛ قالَ: و في قولهِ تعالى: وَ مََا يُشْعِرُكُمْ مِثْله، فلذلكَ جُعِلت بعْدَه صِلةً مَعْناها السُّقُوط مِن الكَلام.

و قال الجَوْهرِي: و قد تكونُ لا لَغْواً؛ و أَنْشَدَ للعجَّاج:

في بئْرِ لا حُورٍ سرى و ما شَعَرْ # بإفْكِه حتى رَأَى الصُّبْحَ جَشَرْ [8]


[1] سورة الممتحنة، الآية 1.

[2] ثمة سقط في نقله عبارة المصباح، و تمام العبارة فيه: و تكون للنفي فإذا دخلت على اسم نفت متعلقة لا ذاته لأن الذوات لا تنفي، فقولك: لا رجل في الدار أي لا وجود رجل في الدار، و إذا دخلت على المستقبل.

[3] سورة طه، الآية 93 و فيها و في القاموس: تَتّبعني.

[4] سورة الأعراف، الآية 12.

[5] سورة الأنعام، الآية 109.

[6] سورة الحديد، الآية 29.

[7] سورة الأنبياء، الآية 95.

[8] اللسان و التهذيب و الأول في الصحاح.

اسم الکتاب : تاج العروس من جواهر القاموس المؤلف : المرتضى الزبيدي    الجزء : 20  صفحة : 401
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست