اسم الکتاب : باب الحوائج الإمام موسى الكاظم(ع) المؤلف : حسين الحاج حسن الجزء : 1 صفحة : 15
على هذا الموقف الشريف حتى لفظ أنفاسه الأخيرة في السجن، فلم يصانع، و لم يدار أحدا منهم، و لو سايرهم لأغدقوا عليه الأموال الطائلة ليسكتوا صوت الحق في صدره؛ لكنه آثر رضى اللّه و طاعته على كل شيء، و أبى إلا أن يساير موكب الحق، و لا يشذ عما جاء به الإسلام من مقارعة الظلم، و مقاومة أئمة الجور و الطغيان مهما كلّف الثمن.
و قد حاول يحيى البرمكي (رئيس حكومة هارون) أن يتوسّط في أمر اطلاق سراح الإمام من السجن، شرط أن يعتذر لهارون و يطلب منه العفو حتّى يخلّي سبيله، فأصرّ الإمام (عليه السّلام) على الامتناع و عدم الاستجابة له.
هذا ما تميز به موقف الإمام (عليه السّلام) بالشدّة و الصمود مع هارون و غيره من ملوك عصره، و هو موقف أبيه و جده من قبله الأئمة المعصومين الذين عبّر عن موقفهم سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السّلام) فقال:
«إني لم أخرج أشرا و لا بطرا، و انما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي».
و هناك ظاهرة أخرى من ظواهر شخصيته الكريمة، و هي السخاء فقد اتفق المؤرخون أنه كان أندى الناس كفّا، يشعر مع المحتاجين، و يعطي المعوزين، و يصل المحرومين في غلس الليل البهيم، حتى لا يعرفه أحد، و يكون عطاؤه في سبيل اللّه، و كانت تضرب بصرره المثل.
فكان الناس يقولون: «عجبا لمن جاءته صرار موسى و هو يشتكي الفقر» أنفق جميع ما يملكه على الضعفاء و المنكوبين، و أنقذ الكثيرين منهم من مرارة الفقر و الحرمان.
و الإمام الكاظم (عليه السّلام) دائرة معارف كاملة، فقد أجمع الرواة انه كان يملك طاقات هائلة من العلم، و مخزونا فكريا غنيا جدا بمختلف المعارف. يقصده العلماء و الرواة من كل حدب و صوب لينهلوا من نمير علمه، و كان لا يفتي بحادثة إلّا بادروا إلى تسجيلها و تدوينها، فرووا عنه مختلف العلوم و الأبحاث، و بصورة خاصة فيما يتعلّق بالتشريع الاسلامي.
«فقد زوّدهم بطاقات ندية منه، و يعتبر في هذا المجال أوّل من فتق باب الحلال و الحرام من أئمة أهل البيت (عليهم السّلام)» [1].