(صلى الله عليه وآله)، توغّلوا في معارج الكمال ، وحلقوا في آفاق المكارم ، حتّى حقّقوا مبدأ المؤاخاة بأُسلوب لم تحقّقه الشرائع والمبادئ ، وأصبحت أواصر العقيدة أقوى من أواصر النسَب ، ووشائج الإيمان تسمو على وشائج القوميّة والقبَليّة ، وغدا المسلمون أُمّةً واحدة ، مرصوصةَ الصف ، شامخة الصرح ، خفّاقة اللواء ، لا تُفرّقهم النعرات والفوارق : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )[1] .
وطفق القرآن الكريم يَغرِس في نفوس المسلمين مفاهيم التآخي الروحي ، مركّزاً على ذلك بآياته العديدة وأساليبه الحكيمة الفذّة .
فمرّةً شرّع التآخي ليكون قانوناً للمسلمين : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )[2] .
وأُخرى يؤكّد عليه محذّراً من عوامل الفرقة ، ومذكّراً نعمة التآلف والتآخي الإسلامي ، بعد طول التناكر والتناحر الجاهليَّين : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً )[3] .
وهكذا جهد الإسلام في تعزيز التآخي الروحي وحِماه مِن نوازِع الفرقة والانقسام ، بما شرّعه من دستور الروابط الاجتماعيّة في نظامه الخالد .
[1] الحجرات : 13 .
[2] الحجرات : 10 .
[3] آل عمران : 103 .