و بعد ذلك نضم هذه النتيجة الى قاعدة فلسفية و هي أن المعلول الواحد يستحيل أن يصدر إلا عن علة واحدة. فالغاية الواحدة التي هي معلول العلم يجب أن يكون لها علة واحدة. فما هي هذه العلة الواحدة هل هي المسائل الكثيرة أو هي شيء واحد موجود في المسائل الكثيرة.
أما المسائل الكثيرة فيستحيل أن تكون هي علة غاية العلم لما عرفت من القاعدة الفلسفية القائلة أن المعلول الواحد يجب أن يكون له علة واحدة. و المسائل الكثيرة ليست علة واحدة بل علل كثيرة.
فتعين أن تكون علة غاية العلم هي شيء واحد موجود في المسائل الكثيرة و هذا الشيء الواحد الموجود في المسائل الكثيرة هو المسمى بموضوع العلم و يجب وجوده لاستحالة وجود المعلول بلا علة.
هذا غاية تقريب الاستدلال على وجوب وجود موضوع لكل علم.
لكن المحققين أبطلوا هذا الاستدلال بعدة ردود نذكر منها ثلاثة فقط.
الأول: أن القاعدة الفلسفية و هي أن المعلول الواحد ليس له إلا علة واحدة قاعدة مختصة بالواحد البسيط غير المركب فلا تنطبق في المقام لأن غاية العلم ليست واحدا بسيطا.
الثاني: أن المقدمة الثانية التي ذكرناها في الاستدلال، ليست صحيحة و ذلك لأنك عرفت أن قواعد العلم هي ذات القواعد النفس أمرية (و هذا بيناه في الخصوصية الأولى عند التعرض لتعريف علم الأصول فراجع).
و من الواضح: أن هذه القواعد بذاتها ليست هي العلة فإن العامي الجاهل بمسائل النحو لا تتحقق عنده غاية العلم مع أن قواعد علم النحو متحققة في نفس الأمر و لو كانت هي العلة لغاية علم النحو مثلا لتوجب تحقق المعلول دائما لاستحالة تخلف المعلول عن العلة.
فتحصل أن قواعد العلم ليست هي علة غاية العلم. فإذن ما هي علة غاية العلم. فنقول المحتمل أن تكون العلة هي أحد أمرين لا ثالث لهما.