الأمر الثاني: هو الارادة التي توفرت لها شروط الفعل فالقيام مثلا فعل معلول لارادة القيام مع توفر شرائط القيام من القدرة و عدم المانع و غير ذلك.
و لا يمكننا أن نقول إن الغايات في جميع العلوم معلولة للأمر الأول أي ادراك القواعد ضرورة أنا نرى بالوجدان ان كثيرا من الناس يعرفون قواعد علم النحو و مع ذلك لا يحفظون لسانهم عن الخطأ، و لو كان إدراك قواعد علم النحو هو علة حفظ اللسان لكان الواجب تحقق حفظ اللسان عند تحقق الادراك لوجوب تحقق المعلول عند تحقق علته. و هكذا كثير من العلوم.
و لا يمكننا أيضا أن نقول إن الغايات في جميع العلوم معلولة للأمر الثاني أي الارادة و ذلك لأن بعض العلوم كعلم العرفان مثلا غايته مجرد المعرفة كما قيل. و من الواضح أن هذه الغاية أي معرفة الله تعالى يكفي في تحققها مجرد ادراك قواعد علم العرفان بدون دخالة للارادة.
فتحصل ان الواجب أن نقول إن العلوم على قسمين.
الأول: هو العلوم الذاتية غير التوصلية بل غايتها مجرد المعرفة كعلم معرفة التاريخ الذي غرضه المعرفة.
الثاني: العلوم التوصلية التي غايتها تتعدى المعرفة للتوصل الى عمل اختياري.
أما القسم الأول: فتكون غاية العلم معلولة لادراك قواعد ذلك العلم لأن معرفة الكل متوقف على معرفة الأجزاء فتأمل.
و أما القسم الثاني: و هو غالب العلوم فتكون غايته معلولة للارادة و أما ادراك القواعد فهو شرط الفعل فكما أن ارادة القيام لا تكفي في تحقق القيام بل لا بد من وجود الشرط و هو القدرة،
فكذلك إرادة حفظ اللسان مثلا لا تكفي في تحقق الحفظ المذكور بل لا بد من وجود الشرط و هو القدرة على الحفظ المذكور. و القدرة على حفظ اللسان متوقفة على ادراك القواعد النحوية. فالادراك المذكور شرط لا علة.