الدليل: ان استعمال أي لفظ في معنى إنما هو بمعنى إيجاد ذلك المعنى باللفظ، لكن لا بوجوده الحقيقي، بل بوجوده الجعلي التنزيلي، لأن وجود اللفظ وجود للمعنى تنزيلا. فهو وجود واحد ينسب إلى اللفظ حقيقة، أولا و بالذات، و إلى المعنى تنزيلا، ثانيا و بالعرض فإذا أوجد المتكلم اللفظ لأجل استعماله في المعنى فكأنما أوجد المعنى و ألقاه بنفسه إلى المخاطب.
فلذلك يكون اللفظ ملحوظا للمتكلم بل للسامع آلة و طريقا للمعنى و فانيا فيه و تبعا للحاظه، و الملحوظ بالأصالة و الاستقلال هو المعنى نفسه.
أقول قد أشرنا في المقدمة الأولى إلى أن البحث عندهم كان في الجواز لغة فكان بعضهم يقول بالحقيقة و بعضهم بالمجاز و غير ذلك من التفصيلات التي أصبحت الآن في عالم النسيان بعد أن صار البحث في الاستحالة و عدم الاستحالة.
قوله (ره): (الدليل ان استعمال أي لفظ ...).
أقول هذا إشارة إلى المقدمة السادسة و الثامنة. و قد يتخيل بعض من لا خبره له أن هذا الدليل إنما يتلاءم مع القول الذي يقول بأن الواضع اعتبر اللفظ وجودا تنزيليا للمعنى. و لا يتلاءم مع القول بأن الواضع جعل اللفظ علامه على المعنى أو ملازم لها. فإن هذا خيال في خيال إذ الاستحالة هنا تكوينية و الوضع الذي هو أمر اعتباري لا يمكن أن يكون له أثر في الشئون التكوينية.
فاللفظ على جميع الأقوال إنما ينطق به تعبيرا عن المعنى الملحوظ في الذهن فإذا استحال لحاظ المعنيين في الذهن بلحاظين في آن واحد استحال رؤية اللفظ تعبيرا عنهما معا.
قوله (ره): (فلذلك يكون اللفظ ...).
أقول اللفظ يستحيل لحاظه تفصيلا و ذلك لأجل أنك تلاحظ المعنى تفصيلا و يستحيل اجتماع لحاظين تفصيلين فالعلة الحقيقية لعدم لحاظ اللفظ