المراحل . ولكي لا تشتبه هذه المسائل بمسائل التاريخ العلمي نعبّر عنها بفلسفة التاريخ . وقد وقع الخلط بين مسائل التاريخ العلمي المتعلقة بحركات المجتمع غير التكاملية ، ومسائل فلسفة التاريخ المتعلقة بحركاته التكاملية ، ونشأ من ذلك عدّة أخطاء .
ثم إنّ فلسفة التاريخ كالتاريخ العلمي علم كلي لا جزئي ، وعقلي لا نقلي ، ولكنّه خلافاً له علم بالتطوّرات لا الأكوان . ولا يكتسب صفة التاريخية من تعلّق مسائله بأزمان الماضي ، كما هو كذلك في التاريخ العلمي ، بل يكتسبها من جهة أنّ مسائله تبتدئ من الماضي ، وتستمر إلى الحال والمستقبل ؛ فالزمان في هذه المسائل ليس ظرفاً فحسب ، بل هو بعد من أبعادها .
وعلم التاريخ مفيد بجميع معانيه الثلاثة ، حتى التاريخ النقلي أي العلم بالتراجم وسير الماضين ، يمكنه أيضاً أن يكون مفيداً ومحرّكاً وموجّهاً ومربّياً ، ولكنّه بالطبع يرتبط بخصوصية الشخص صاحب الترجمة والسيرة ، وبما يستنبط منهما من نقاط مهمّة . والإنسان كما أنّه بمقتضى قانون المحاكاة يتأثّر من مجالسة الأُناس المعاصرين له ومن أخلاقهم وإراداتهم ومشيهم ، وكما أنّ حياتهم الخارجية تعتبر له درساً وعبرة ، وكما أنّه يتعلّم منهم حسن التأدّب وسنّة الحياة ، بل ربّما يتعلّم التأدّب ممّن لا أدب له ـ كما قال لقمان ـ كذلك بمقتضى هذا القانون نفسه يستفيد من عِبَر الماضين . فالتاريخ كالأفلام الحيّة التي تبدل الماضي بالحاضر . ومن هنا ورد في القرآن الكريم ملاحظات مفيدة من حياة الأفراد الذين يُعدّون أُسوة للباقين . وربّما ورد الأمر الصريح باتخاذهم أُسوة ، قال تعالى : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ