موجودة . وإنّما يملك المؤرّخ معلومات عنها وأضابير . فهو في حكمه عليها كقاضي المحكمة حينما يحكم على أساس القرائن والشواهد الموجودة في الإضبارة من دون الاستناد إلى شهادة الشهود . ومن هنا كان تحقيق المؤرّخ منطقياً وعقلياً وذهنياً ، لا خارجياً وعينياً ؛ فهو يمارس تحاليله في مختبر العقل باستعمال البرهان العلمي ، لا في المختبر الكيماوي باستعمال الوسائل الحسّيّة . فعمل المؤرّخ من هذه الجهة أشبه بعمل الفيلسوف لا العالِم الطبيعي .
والتاريخ العلمي كالتاريخ النقلي يتعلّق بالماضي لا الحال ، وعلم بالأكوان لا التطوّرات ، ولكنّه خلافاً له علم كلّي لا جزئي ، وعقلي لا نقلي صرف .
والتاريخ العلمي في الواقع فصل من علم الاجتماع بمعنى أنّه علم بالمجتمعات السابقة . وموضوع علم الاجتماع أعم من المجتمعات الحاضرة والسابقة .
نعم ، إذا خصّصنا علم الاجتماع بمعرفة المجتمعات المعاصرة ؛ كان التاريخ العلمي وعلم الاجتماع علمين مستقلّين ، ولكنّهما في نفس الوقت متقاربان ومن فصيلة واحدة ، ويحتاج كل منهما إلى الآخر .
3 ـ فلسفة التاريخ . أي العلم بحركة المجتمعات وتحوّلها من مرحلة إلى أُخرى ، والقواعد الحاكمة على هذه التطوّرات والتحوّلات .
وبعبارة أُخرى علم بتطوّرات المجتمعات لا بأكوانها .
ولعلّ القارئ العزيز يتساءل : هل يمكن أن تكون للمجتمعات أكوان وتطوّرات معاً ، وتكون أكوانها موضوعاً لعلم نطلق عليه التاريخ