وقد ورد في تفسير الميزان بحث في أنّ المجتمع إذا أصبح ذا فكر اجتماعي واحد ، وروح اجتماعية واحدة ؛ كان حكمه حكم الفرد الواحد من الإنسان ، فكما أنّ أعضاء الإنسان وقواه منحلّة ذاتاً وفعلاً في شخصية الإنسان ، فلذّاتها وألمها لذّة الإنسان الكل وألمه ، وسعادتها وشقاؤها سعادته وشقاؤه ، كذلك أفراد المجتمع بالنسبة إلى المجتمع ككل . ثم أدام بحثه قائلاً : ( وهكذا صنع القرآن في قضائه على الأُمم والأقوام التي ألجأتهم التعصّبات المذهبية أو القومية أن يتفكّروا تفكّراً اجتماعياً : كاليهود والأعراب وعدّة من الأُمم السالفة ، فتراه يؤاخذ اللاحقين بذنوب السابقين ، ويعاتب الحاضرين ويوبّخهم بأعمال الغائبين والماضين ؛ كل ذلك لأنّه القضاء الحق فيمَن يتفكّر فكراً اجتماعياً . وفي القرآن الكريم من هذا الباب آيات كثيرة لا حاجة إلى نقلها ) [1] .
المجتمع والقانون :
إذا قلنا بأنّ المجتمع موجود حقيقي له واقع خارجي ، فلابد من أن تكون له قوانين وسنن خاصة به ، وأمّا إذا قبلنا النظرية الأُولى في البحث السابق حول ماهيّة المجتمع ، وأنكرنا الوجود العيني له ، فهو فاقد للقانون بالطبع . وإذا قبلنا النظرية الثانية وقلنا إنّ تركيب المجتمع من الأفراد تركيب صناعي وآلي ، فالمجتمع حينئذٍ له قانون وسنّة ، إلاّ أنّ جميع قوانينه وسننه تتلخّص في تنظيم الرابطة العلّيّة والمعلولية الميكانيكية بين الأجزاء ، والتأثير الميكانيكي بين المجامع المختلفة في المجتمع ، من دون أن يبرز للمجتمع آثار خاصة من مظاهر الحياة .