اسم الکتاب : المجتمع والتاريخ المؤلف : المطهري، الشيخ مرتضى الجزء : 1 صفحة : 314
البحث ، وفي الاستنتاج والتفسير ، على كثير من الظواهر التأريخية للمجتمع التي لا يستطيع الباحث مشاهدتها إلاّ من خلال النقل والرواية ، أو من خلال بعض الآثار التأريخية الباقية ، ونذكر على سبيل المثال إنجلز ، بوصفه باحثاً تأريخياً حاول في كتابه ( أصل العائلة ) تفسير الظواهر الاجتماعية علمياً ، فاضطر إلى الاعتماد ـ بصورة رئيسية ـ في استنتاجاته على روايات ومزاعم مؤرّخ أو رحّالة معيّن ، هو ( مورغان ) .
وهكذا يختلف البحث التأريخي عن البحث الطبيعي من ناحية المادة ( الظواهر ) ، التي يملكها الباحث ، ويقيم عليها تفسيره واستنتاجه .
ولا يقف اختلافهما عند هذا الحد ؛ فإنّهما كما يختلفان من ناحية المادة ، كذلك يوجد سبب آخر لاختلافهما من ناحية الدليل الذي يمكن للباحث استخدامه في سبيل تدعيم هذا التفسير العلمي أو ذاك .
فإنّ الباحث التأريخي حين يحصل على مجموعة من الظواهر والأحداث التأريخية لا يملك تجاهها تلك الإمكانيات التي يملكها الفيزيائي ـ مثلاً ـ تجاه الذرة وظواهرها ، ونواتها وكهاربها وإشعاعاتها ؛ لأنّ الباحث التأريخي مضطر لأخذ الظواهر والأحداث التأريخية كما هي ، ولا يمكنه أن يطوّر أو يغيّر شيئاً منها عن طريق التجربة . وأمّا العالم الفيزيائي فهو يستطيع أن يجري تجاربه المختلفة على المادة التي يعالجها ، ويستبعد منها ما يشاء ، ويضمّ إليها ما يشاء . وحتى في المجال الذي لا تخضع المادة المدروسة فيه للتغيير ، كعلم الفلك ، يمكن للعالم الفلكي أن يغيّر من علاقاته بتلك المادة بواسطة التلسكوب ، ومن موقعه واتجاهاته .
اسم الکتاب : المجتمع والتاريخ المؤلف : المطهري، الشيخ مرتضى الجزء : 1 صفحة : 314