وجوداً مستقلاً للمجتمع على غرار المركّبات الكيماوية ، وبذلك تلتزم بأصالة الفرد . ومن جهة أُخرى ، تلتزم بوجود تركيب من قبيل التركيب الكيماوي بين الشؤون الروحية والفكرية والعاطفية للأفراد ، وتلتزم بأنّ الفرد يكتسب ماهيّة جديدة بالاندراج في المجتمع ، هي الماهيّة الاجتماعية بالرغم من عدم وجود ماهية مستقلّة للمجتمع نفسه ؛ وبذلك فهي تلتزم بأصالة المجتمع . فبناءاً على هذه النظرية ، تحدث ظاهرة جديدة واقعية وحيّة من جرّاء التفاعل والتأثير والتأثّر المتقابل بين الأجزاء ( الأفراد ) ، وهذا الأمر الجديد هو الروح الجماعية والشعور والوجدان والإرادة الاجتماعية ، وهو أمر زائد على الشعور والوجدان والإرادة والفكر الفردي للأفراد ، وهذه الروح غالبة على الشعور الفردي .
وأمّا النظرية الرابعة فهي متمحّضة في أصالة المجتمع ، فالموجود في الخارج ليس إلاّ الروح الاجتماعية ، والوجدان والشعور الفردي ليس إلاّ مظهراً من مظاهر الشعور والوجدان الاجتماعي فحسب .
والآيات القرآنية الكريمة تؤيّد النظرية الثالثة ، ولقد سبق منّا القول بأنّ القرآن لم يذكر هذه المسائل في إطار البحث العلمي أو الفلسفي ، وإنّما يذكرها بوجه آخر ، والذي يستنبط من الدراسة القرآنية للمسائل الاجتماعية هو تأييد النظرية الثالثة .
فالقرآن يرى للأُمم ( المجتمعات ) مصيراً مشتركاً ، وصحيفة أعمال مشتركة ، ويرى للأُمّة إدراكاً وشعوراً وعملاً وإطاعةً وعصياناً [1] .
ومن الواضح : أنّ الأُمة لو لم تكن موجودة بوجود عيني حقيقي ؛ لم يصح افتراض المصير والفهم والشعور والطاعة