الفردية ، بخلاف النظرية السابقة ، حيث كان للإنسان قبل الدخول في السلك الاجتماعي شؤون نفسية ، وكانت الحقائق الاجتماعية تأتي في مرحلة متأخّرة عن الخصائص النفسية للأفراد . وأمّا بناءاً على هذه النظرية فالوجود الاجتماعي للإنسان والحقائق الاجتماعية شرط أساسي في تكوين الشؤون النفسية للفرد ، وفي إمكان دراسة شؤونه النفسية .
فالنظرية الأُولى متمحّضة في أصالة الفرد ؛ إذ بناءاً عليها ليس للمجتمع وجود حقيقي ولا قانون ولا سنةٌ ولا مصير ولا دراسة مستقلّة . والوجود الحقيقي إنّما هو للفرد ، وهو موضوع الدراسة ، ومصير كل فرد مرتبط به وبشؤونه ومستقل عن مصير الآخرين .
والنظرية الثانية أيضاً تستند إلى أصالة الفرد ، فلا تذعن بوجود حقيقي للمجتمع ككل , ولا بتركيب واقعي بين الأفراد كمجتمع ، ولكنّها تقول بوجود ارتباط أصيل وواقعي بين الأفراد نظير الرابطة الفيزيائية بين أجزاء السيارة . وبناءاً على هذه النظرية ليس للمجتمع وجود مستقل عن وجودات الأفراد ، وليس في الواقع الخارجي حقيقة سوى حقائق الأفراد ، إلاّ أنّهم يرتبطون مع بعض كما ترتبط أجزاء السيارة أو أي آلة أو مصنع آخر . وترتبط آثارهم وحركاتهم على غرار الروابط بين العلل والمعلولات الميكانيكية ؛ وعليه فللأفراد مصير مشترك ، وللمجتمع ـ أي هذه المجموعة المرتبطة الأجزاء ـ تعريف وحدٌّ خاص بلحاظ وجود الرابطة العلّيّة والمعلولية الميكانيكية بين أجزائه ، فتعريفه يختلف عن تعريف الأجزاء .
وأمّا النظرية الثالثة ، فتلتزم بأصالة الفرد والمجتمع معاً ، وهي من جهة ترفض انحلال وجود الأفراد ( أجزاء المجتمع ) في الكل ، وترفض