ويشكل بأن التقرب المعتبر في العبادة ليس بمعنى القرب المكاني، ليمتنع اجتماعه مع البعد في وقت واحد ولو مع تعدد الفعل. ولا بمعنى موافقة التكليف والغرض، ليمكن اجتماعه مع البعد ولو مع وحدة الفعل. بل بمعنى وقوع الفعل في طريق المولى ولأجله وفي حسابه، بحيث يكون مظهراً للخضوع له ولعبادته وللانقياد له والفناء فيه. وذلك لايمكن مع وقوع الفعل نفسه على وجه العصيان للمولى والتمرد عليه والخروج عن مقتصى مولويته، وإن أمكن ذلك بالإضافة إلى فعل آخر مباين له ولو مع وحدة الزمان. ومنه يظهر الحال في استحقاق الثواب والعقاب، فإنهما تابعان للبعد والقرب بالمعنى المذكور، لا لمجرد موافقة التكليف والغرض ومخالفتهم، ليمكن اجتماعهما بالإضافة إلى الفعل الواحد.
ولولا ما ذكرنا لأمكن التقرب بالمجمع حتى بناءً على الامتناع وتقديم جانب النهي، لأنه وإن لم يكن مأموراً به حينئذٍ إلا أن المفروض واجديته لملاك الأمر ووفاؤه بغرضه، وأن المورد من صغريات التزاحم، ولذا كان المعروف صحة الامتثال به مع الغفلة عن النهي، وحينئذٍ يتقرب به بلحاظ واجديته للملاك، مع أن ظاهره - كصريح بعض المعاصرين وغيره - المفروغية عن عدم التقرب حينئذٍ، لامتناع التقرب بماهومبعد.
وينبغي التنبيه على أمور..
يتعين العمل على النهي مع المندوحة
(الأمر الأول):أشرنا فيماسبق إلىاختصاص موردكلامهم بصورة وجود المندوحة وإمكان امتثال الأمر بغير المجمع، وأنه لا تزاحم حينئذٍ بين الأمر والنهي، بل يبقى كل منهما فعلياً تبعاً لفعلية ملاكهما وإطلاق دليليهم. وحينئذٍ يلزم تقديم جانب النهي عمل، لأنه تعييني يمكن استيفاء غرضه مع استيفاء غرض الأمر التخييري بفرد آخر.