وبعد فرض أخذ التشخيص من الشارع يكون الحكم الشرعي معلوماً في رتبة سابقة على إحراز الحسن أو القبح عقل، فلاينفع العلم بالحسن أو القبح في الاستنباط.
بل مرجع ذلك إلى ملازمة حكم العقل لحكم الشرع باعتبار أن الشارع الأقدس هو المالك المطلق والمنعم المفضل الذي يجب عقلاً متابعته والجري على مقتضى حكمه، وإن لزم كون حكمه أيضاً على طبق الميزان العقلي الذي يحيط به أكمل إحاطة، لأن كماله يمنع من خروجه عن ذلك.
التحقيق في موضوع الملازمة ثبوت
ومن جميع ماسبق يتضح أن المستلزم للحكم الشرعي ليس هو حكم العقل بحسن الشيء أوقبحه - كماهو المدعى - بل حكم العقل بحسن الحكم نفسه،إما لحسن متعلقه أو قبحه من دون مزاحم ولا مانع من جعل الحكم، أو لمصلحة في نفس الحكم من دون نظر للمتعلق كمصلحة الامتنان والتيسير أو الامتحان أو التأديب والعقاب. كما لايبعد ذلك في تكليف ابراهيم(ع) بذبح ابنه،وفي تحريم بعض الأمور على اليهود، كما قد يظهر من قوله تعالى: {وعلى الذين هادوا حرّمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ماحملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون}[1]، وغيره. ومن الظاهر أن الملازمة المذكورة لا تنفع في استنباط الحكم الشرعي، لعدم إحاطة العقل بنفسه بالملزوم بجميع خصوصياته، ليتسنى تشخيص موارده.
نعم قد يدرك العقل بنفسه في بعض الموارد قبح التكليف، وأنه ظلم ينزه عنه تعالى، كالتكليف واقعاً بما لايطاق، وظاهراً مع الجهل المطلق - حتى