هذا ولكن وجوب اللطف المذكور عليه تعالى بحفظ مقتضيات الدواعي العقلية بالتشريع - لو تم - لابد فيه من أمرين (أحدهم): عدم المزاحم للمقتضيات المذكورة بما يمنع فعلية تأثيرها في الداعوية العقلية. (ثانيهم): عدم المانع من التشريع على طبقه، وإن كانت فعلية التأثير في الداعوية العقلية، حيث قد يكون في جعل الشارع للحكم وانتسابه له مفاسد أهم من مصلحة حفظ مقتضيات الدواعي العقلية، بحيث يتعين جعل الحكم منه على نحو آخر، نظير رفع القلم عن الطفل المميز، فإن الداعي العقلي في حقه وإن كان فعلياً - فيحسن منه ويقبح ما يحسن من البالغ ويقبح عقلاً - إلا أن الشارع الأقدس حيث أدرك المفسدة في إلزامه بمقتضاه شرعاً رفع القلم عنه من قِبَله ولم يلزمه بالجري على مقتضاه.
ولعل منه كثيراً من موارد الحكم بالاستحباب أو الكراهة، بأن يكون عدم الإلزام لمصلحة في الترخيص أو لمفسدة في نفس الإلزام، لا لمزاحمة جهة الحسن أو القبح في الفعل بما ينافيها عمل، كما هو ظاهر ما تضمن الترخيص للامتنان والتيسير، كقوله(ص): (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند وضوء كل صلاة)[1].
وأما ما تضمن اهتمام الشريعة بالفضائل ومحاسن الأخلاق، كالنبوي المشهور: (بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)[2]. فهو محمول على كون الاهتمام بها مقتضى طبع التشريع والأصل الأولي فيه، في مقابل الشرايع الباطلة، المهملة لذلك، أو المبتنية على إنتهاك الحرمات وترويج الرذائل، فلا ينافي