(الثالث): ما تقدم إنما هو بلحاظ مقام جعل التكليف، وأما في مقام امتثاله والفراغ عنه فقد يدعى وجوب الفور عقلاً وإن لم يجب في مقام الجعل شرع، لأن الإطاعة من حقوق المولى، ويجب أداء الحق في أول أزمنة القدرة على أدائه، وتحرم المماطلة به، لأنها نحو من الحبس له المنافي لسلطنة صاحبه عليه.
ويشكل بأن وجوب المبادرة بأداء الحق ليس عقلي، بل شرعي مستفاد من دليل السلطنة بالتقريب المذكور، وهو مختص بالاستحقاق المساوق للملكية الشرعية، كاستحقاق منفعة العين المستأجرة، ولا يشمل مثل استحقاق المولى للطاعة الذي هو عقلي.بل هو تابع سعة وضيقاً بنظر العقل لداعوية التكليف في مقام الجعل، فمع فرض عدم اقتضائه الفور لا وجه لوجوب المبادرة. ولذا لا ريب - كما تقدم - في عدم وجوب الفور في الواجبات الموقتة الموسعة، مع عدم الفرق بينها وبين محل الكلام إلا في استفادة السعة فيها من صريح الكلام، وفي محل الكلام من الإطلاق أو الأصل، وهو غير فارق بنظر العقل.
نعم لو علم بالعجز عن الامتثال مع عدم المبادرة فلا إشكال في وجوب المبادرة عقلاً في الموردين. لكنه بمقتضى وجوب الطاعة لا بمقتضى وجوب المبادرة إليه.
بل مقتضى لزوم إحراز الفراغ والإمتثال لزوم المبادرة مع احتمال تجدد العجز، لولا أصالة السلامة المعول عليها عند العقلاء في سائر الموارد، إلا مع ظهور أمارات العجز مع عدم المبادرة. وعلى ذلك جرت سيرة المتشرعة وفتاوى الأصحاب بلزوم المبادرة لتفريغ الذمة مع ظهور أمارات الموت. لكنه لا يرجع إلى وجوب المبادرة واقعاً في مقام الفراغ والامتثال - كما هو محل الكلام - بل ظاهراً بملاك الإحتياط.